التظاهرات ونتائج الانتخابات

آراء 2020/07/02
...

علي لفتة سعيد
في الأنظمة الشمولية لا يكون التغيير إلا وفق أحداث محددة، سواء كانت داخلية أو خارجية.. بما فيها الثورات والانتفاضات والانقلابات العسكرية او الاحتلال من جهة دولية تساعد او تستغل هذا الدولة او تلك التي تشهد حراكا فوضويا ضد الحكم، وقبضة قوية في السلطة تؤدي الى وقوع خسائر بشرية لا تتوانى تلك السلطة في هذه الدولة او تلك عن استخدامها في سبيل البقاء في السلطة.. ويمكن ملاحظة عالمنا العربي عبر التاريخ الحديث ومن ثم ملاحظته عبر التاريخ الآني، سنجد أن كل التغيرات التي شهدها العرب وخاصة في القرن العشرين كانت ثورات من أجل التخلّص من الاستعمار الذي يسمى اليوم احتلالا، دون ذكر كلمة الاستعمار.. أو ما حصل بعدها من انقلابات عسكرية تطيح بهذا الرئيس أو ذلك. ثم جاءت الانتفاضات التي حرّكت الشوارع في الداخل، لكنها لم تنجح في العراق وأوضحها ما حصل العام 1991، فكان التغيير عبر تدخّل الدول الكبرى والتي أدّت بالنتيجة الى ان يكون احتلال العراق.. وكذلك الدول العربية التي شهدت الربيع العربي عبر انتفاضات شعبية بدأت في تونس ولم تنته في السودان أو ليبيا، كون الحرب لم تزل في البحث عن متغيّرات في اليمن مثلا وحتى البحرين.
ولكن المتتبع لما يجري في هذه البلدان التي شهدت التغيرات هو أن ما يأتي بعدها لم يكن بما يطمح له الشعب من واقعٍ يراد له أن يكون نحو الأحسن.. والحقيقة أن الأغلب كانت نتائجها مآسي أخرى تضاف الى المآسي السابقة، بل ربما هي أقسى وأمر من تلك المآسي في الأنظمة السابقة، كما حصل في مصر من تغيير جاءت به الانتخابات ايضا، لأن قبضة السلطة كانت قوية على المعارضين، وثمة خوف وكبت وتحرّكت فيها البنادق، لتكون هي الحاكم في الطريق، ولا يمكن إزاحة ما يحصل في ليبيا عن هذا المضمار، وكذلك في العراق وما حصل قبلها في تونس والجزائر وحتى السودان.
لكن الشيء الذي يمكن أن يكون في مستوى التأمل والطموح وحتى الأحلام والأمنيات هو أن المتغيرات في النظم التي تسعى ان تكون ديمقراطية، وإن كان السلاح لم يزل مشهرًا، هو أن الانتخابات هي الطريق الأسلم المرافق لحركات التغيير الأخرى التي تبدأ دوما تظاهرات ثم عصيانات واعتصامات، بهدف إيصال الصوت الى السلطة أو الحكومة، لأن الدولة هنا في مثل هذه المواقف والمنحدرات التاريخية موزّعة بين أقطابٍ عديدة وصراعات محتمة، بهدف التمسّك بالسلطة بأيّة طريقةٍ مهما كانت شرعية أم غير شرعية، والشعب الذي يخرج بالتظاهرات يسعى من أجل أن ترضخ السلطة الى ما يريده وما يرفعه من مطالب.
إن النظام الديمقراطي يعني أن الانتخابات التي هي الأعلى شأنا في تطبيق الدستور ومداولة السلطة بشكلٍ سلمي، خصوصا إذا ما كانت الأطراف المشكّلة للحكومة والتي تشكّل بالأساس السلطة الموزّعة بين أقطابٍ عديدة، لا تريد مغادرة الحكم أو المشاركة فيه أو ما يطلق عليه العملية السياسية إلّا عبر الانتخابات، فهي لها من المريدين والتابعين والمحبين والمؤيدين الكثير، شاء المتظاهر أم لم يقتنع، فإن الحقيقة هي أن الصراع لا يمكن أن يستمر الى ما لانهاية. بمعنى لا يمكن الاستمرار بشعبٍ يتظاهر من أجل التغيير، وسلطة متمسّكة بما منحها الدستور من حق الفوز بالانتخابات، بغض النظر إن كانت السلطة المشكّلة للحكومة لها أذرع عسكرية أم مدنية، فتلك موضوعة أخرى لها البعد القانوني والقضائي.
ولهذا يمكن توجيه الأسئلة الآتية: ماذا بعد التظاهرات التي خرجت في العراق التي اطلق عليها (ثورة تشرين)؟، ماذا تريد أن تحقق من أهداف آنية وبعيدة الزمن؟ وماذا بعد تقديم التضحيات في التظاهرات؟، وما الزمن الذي يمكن أن تستمر به أية تظاهرة وفق ظروف لم تكن مواتية لها إلّا فيما يكون من بعد انتمائي لها للبحث عن (وطن) له هوية الحرية والانتماء بلا سلاح أو خوف وعيش رغيد بلا فساد أو سرقات وهي مطالب المتظاهرين بالأساس؟
إن هذه الأسئلة وغيرها يمكن إدراجها وفق المعطيات الجديدة التي شهدها العراق أن لا حل إلّا من خلال الدستور والقوانين والأنظمة وحتى القرارات الصادرة من الحكومة وما تشكلّه السلطات الثلاث، بعيدًا عن تعدّد رؤوس السلطة في الحكومة.. وهذا الحل لا يعني انتفاء الحاجة الى التظاهرات أو الى قبضة الشعب على رقبة الحكومة، لكي ترخي السلطة قبضتها على ذات الرقبة أيضا، بل لكي تكون في حالة توازنٍ مع ما هو مطلوب وما هو متحقّق.. وبين هو ممكن وما هو صعب.. وبين ما هو آت وما مستمكن بالضد من هذه التظاهرات التي صارت فيها التضحية ميزان عدالة كبير وصار عدد الشهداء هم عنوان التضحية والمفاوض أيضا.
ولكي تكون الإجابة صادقة وممكنة التحقيق وايضا يمكن لها أن تكون مرافقة للتظاهرات وعدم الاكتفاء بالخروج في مجاميعٍ صغيرة في زمن كورونا الذي لا يعرف الى أين سيستمر في هذا العام أو حتى العام المقبل، والتي ستكون بعدها الانتخابات سواء المبكرة منها أو في موعدها المحدّد العام 2022، فإن الحلّ يكمن في النقاط الآتية:
1 - الاستمرار في التظاهرات السلمية التي لا تنتج العنف عنفًا آخر ربما يستغل من جهاتٍ مسلحة ودولٍ خارجية ومن ثم يكون الخاسر هو الشعب.
2 - الثبات على المواقف والمطالب التي يجب على الحكومة تنفيذها، سواء كانت هناك انتخابات أو لم تكن لأنها أي الحكومة مسؤولة عن إدارة الدولة برمّتها بعيدا عن رؤوس السلطة.
3 - الانتباه بشكلٍ جديد الى الانتخابات المقبلة على أنها المخرج الوحيد لإنهاء التظاهرات وإن نتائجها هي الفيصل في ذلك.
4 - إن الانتخابات المقبلة بوصفها هي الحل فإن التثقيف على ممارستها والتصويت فيها هو الذي يعطي النتيجة لما يريده الشعب. 
5 - التأكيد على المشاركة من خلال زيادة الندوات والفعاليات الجماهيرية السلمية بدلًا من الاكتفاء بالتظاهرات على اعتبار ان الحكومة التي يريدها الشعب خادمة له لا تخرج إلّا من رحم الانتخابات، بمعنى هي صنع مجلس النواب الذي ينتخبه الشعب.
6 - على الحركات المدنية وحتى الاسلامية غير الراديكالية، المؤمنة بحق الشعب لا بحق الفكر والأيديولوجيا أو التي لا تريد لهذه الحكومة أن تكون ضعيفة وتؤمن بحرية الفرد، أن تعمل على إظهار نفسها كقوّةٍ سياسيةٍ فاعلة، للعمل مع المتظاهرين في ما يراد تحقيقه من الحكومة المستقبلية التي تأتي بها الانتخابات المقبلة.
7 - التأكيد على اختيار قانون انتخابات عادل ومفوضية مستقلة تتيح العمل بحرية لكل الجهات التي ستشارك في الانتخابات بذات الفعاليات والترويج، مع متابعة الصرفيات لهذه الجهة أو تلك من قبل القضاء أو النائب العام، وتزويده بكلّ ما يمكن تحقيق العدالة 
الانتخابية.
8 - التأكيد على منع أية جهة أو قائمة انتخابية من المشاركة في الانتخابات إذا لم تطرح برنامجها الانتخابي والذي يتضمّن حرية الفرد في التعبير وعدم استخدام السلاح ضدها فضلا عن نقاط البرامج الأخرى.
9 - التأكيد على ترشيح شخصيات نزيهة وليست مستغلة ولا قافزة على مطالب الشعب، ويمكن في هذا التعاون مع المنظمات والاتحادات والنقابات الفاعلة في العراق والتي لا تكون مرجعياتها لهذا الحزب او ذاك
10 - التأكيد على تغيير الدستور ضمن فقرات المطالب وان تكون ملزمة للسلطات الحكومية التنفيذية والتشريعية والقضائية من أجل الافادة من أخطاء المرحلة الحالية التي استمرت لأكثر من 18 عاما حتى موعد الانتخابات المقبلة بفرض أنها ستقام العام
 2021.