د. سعد العبيدي
في 14 تموز 1958 حصلت ثورة في العراق، قام بها الصديقان عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، غيرت النظام الملكي الدستوري الى جمهوري ثوري، فوضعت العراق على سكة غير السكة التي كان قطاره النامي سائرا عليها باتجاه الغرب، وفتحت بنجاحها شهية العسكر وبالتحديد الحزبيين من العسكريين الى الانخراط في سلسلة انقلابات نجحت منها ثلاثة أخرى هي 8 شباط 1963، و18 تشرين 1963 و17 تموز 1968، وأكثر من هذا العدد لم تنجح فعدها الأصحاب والمؤرخون الموالون أنها مؤامرات. لكن ثورة الرابع عشر من تموز لم تدم طويلاً إذ وبعد أقل من خمس سنوات تعاون الصديق والرجل الثاني في الثورة في عمل انقلاب مضاد على صديقه والثورة وغير نظام الحكم الى آخر قومي الوجهة، وقدم صديقه الى المقصلة ليعدمه رمياً بالرصاص في محكمة صورية تمت داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي تعودت فيها الثورات إذاعة البيان الأول. ومع هذا فإن الأربع سنوات والأشهر الخمسة كانت كافية لتسجيل تغير في عموم العراق من جميع النواحي بينها الاجتماعية والقيمية، فعادات تغيرت وثقافة جديدة منفتحة حصلت، غابت سلطة الاقطاع وحلت محلها سلطات أخرى بعضها مدنية ووزعت أراض على الفلاحين وفتحت مدارس لكنها وفي الوقت نفسه كونت ظروف حياة فيها قدر من الاضطرابات والتوقفات يرجعها البعض الى عدم نضج المجتمع وسرعة التغير التي حصلت فيه وتسببت في فقدان التوازن والسيطرة.
وفي هذا الشهر تموز حصل انقلاب أو ثورة بمعنى التغيير الجذري للتغيير، أعقبه انقلاب على أهل الانقلاب في الثلاثين من تموز السنة ذاتها إذا اعتلى حزب البعث دفة الحكم الذي تقاسمه في الانقلاب الأول مع عبد الرزاق النايف (وكيل مدير الاستخبارات العسكرية) وابراهيم الداوود آمر لواء الحرس الجمهوري اللذين ائتمنهما الرئيس عبد الرحمن محمد عارف على الحكم وخاناه بالتعاون مع البعثيين لقلب نظام الحكم، وبعد تفرد البعثيين بالحكم نقلو قطار العراق من سكة كان على قضبانها أقرب الى التائه، يفتش عن محطة يقف فيها رصينة الى سكة أخرى أقل ما يقال عنها مضطربة، غير قادر على التوقف في أي من المحطات.
لقد غير البعثيون بعد انقلاب صدام على البكر وجه وواقع العراق، إذ وحال شعورهم بالقوة وهياكل بنائهم لم تكتمل بعد، زجوا البلاد في حرب مع إيران ومن بعدها غزوا الكويت وأدخلوا البلاد في حصار جائر وأخيراً أوقعوها في فخ المواجهة مع تحالف دولي أنهى حكمهم وأعاد القطار الى سكة أخرى وجهتها غربية أقيمت بعض مقاطعها على أرض موحلة توقف عندها القطار مراراً ومازال يتوقف في نية الاستمرار دون الوصول الى المحطة التي يريد. ويبدو من سير الأحداث وتطوراتها أنه بحاجة الى الكثير من الجهد والوقت لتأمين الوصول.