علي شايع
وما هذه الأيام إلا منازل.. فمن منزل رحبٍ ومن منزلٍ ضَنكِ
أفزعني الى بيت الشعر هذا خبران؛ نقاش وزاري لمشكلة البناء العشوائي، وانتحار امرأة من سكنة العشوائيات بكربلاء. تأملت فيهما تبدّل مصائر الناس في الحال والمآل، وتحت ظروف مريرة، تستحق العناية والالتفات الفردي والحكومي، فكم من مرفّه أحاله الظلم الى مشرد عشوائيات تطاردها الدولة مطاردة الخارج عن القانون.
قيل إن "السكن هو الوطن" ومن لا سكن له لا وطن له، فما قيمة بلاد لا تقلك ساكناً آمناً؟!. سؤال حاول الدستور الملكي (القانون الأساسي) لعام 1925، إجابته بتشريع للسكن المصان المحمي من الدولة، وتوالى وعيد الحكومات وتشريعاتها، ولكن من دون قوانين حاسمة لقضية آلاف الأسر المعوزة تفاقمت مشكلتها بالتقادم، حتى كان لبعضهم فسحة التصرف غير المحسوبة عواقبه، بعيد سقوط الطاغية.
خلال فترة تسيّب إداري وأمني مرّت، رأى بعضهم الفرصة سانحة للاستيلاء على أراضٍ متروكة شيدوا فيها مساكن متواضعة بعشوائية وفقر واضحين، حاجة للسكن، ناشدين حرية أخرى وخلاصاً من التكدّس والحشر بمساكن الأهل أو في بيوت للإيجار لا طاقة لتحمل كلفة كرائها، وآخرون نزحوا مكرهين أمنياً ليجدوا أنفسهم في العراء، إذ هجعوا بعد عناء وتشرد وسكنوا لفقد السكن عشوائياً، وبلا وسيلة أخرى.
كل هؤلاء يعانون اليوم أشد القلق وعدم الاستقرار فبعد سنوات طويلة من مكوثهم العشوائي، نبتت على أبواب بيوتهم الأشجار، وصار من حولهم ما يدل على الاستيطان، لكنهم نهب الهواجس والأوامر المرتجلة، ورأيت بأم العين نخلة أثمرت هناك، وهي قديماً مما يثبت المكوث بحسب أعراف أرض السواد، لكنها بقوانين اليوم لا تعني شيئاً.
في دستورنا العراقي الأخير مادة من (61) كلمة لو طبقت في نصها ومضمونه لعاش المجتمع العراقي بكل شرائحه سعيداً مرفهاً، ضماناً للسكن والمأوى اللائق والدخل للجميع، فالمادة (30) تنص على: (أولاً؛ تكفل الدولة للفرد وللأسرة- وبخاصة الطفل والمرأة- الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياة كريمة، تؤمّن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم. ثانياً؛ تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرّد او اليتم او البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون).
وفرة السكن والدخل والضمان الصحي لمحتاجيه مقرّ دستورياً وبوضوح، لكن الكلمات الثلاث الأخيرة من النص السابق هي (كعب أخيل)- كما يصف المثل القديم مكمن الوهن والضعف لقوة ذلك الفارس المقدام في كعب قدمه- "وينظّم ذلك بقانون".. فهل نظّمت قوانين وتشريعات توفر السكن- موضوع بحثنا- بما يضمن تطبيق نص دستوري أقرّ منذ عقد ونصف من السنوات؟.
في بعض الدول الأوروبية عشرات القوانين (الدستورية!) لضمان السكن، ومنها قانون يجيز لأي مواطن وضع اليد على أيِّ مبنى أو مكان حكومي شاغر، شريطة أن يضع فيه قطعة أثاث واحدة كأن تكون مصطبةً أو سريراً يدلّ على السكن، ولن تخرجه السلطات منه حتى توفر له سكناً آخر يلائمه.