ا.د. عامر حسن فياض
كي يكون حكم العراق، ومابعد الانتخابات المبكرة المقبلة، تكليفاً لا تشريفاً ومسؤولية لا امتيازاً. وانطلاقاً من ضرورة الانشغال بما هو آت لا بما مضى نكتب رسالة موجهة الى من يعشق حكم العراق، وهم كثر يتطلعون الى أن يكون أحدهم إما رئيس جمهورية أو رئيس مجلس وزراء أو رئيس مجلس نواب أو نواب أو وزراء أو.. أو.. الخ نرسل رسالة عسى وحبذا لو يقرأ كل واحد من هؤلاء العشاق مضمون رسالتنا هذه لانها :
- رسالة عراقية الصياغة والمضمون. وإن كل رسالة يُشم منها حضور أجنبي اقليمي أو دولي، سواء كان الحضور على شكل تدخل أو فرض أو نفوذ أو تأثير او تفضيل او نصيحة، فان من الصعوبة تسويقها عراقياً. وعلى عكس ذلك عندما تكون الرسالة عراقية بامتياز من حيث الداعي والصياغة والمضمون فإنها ستكون مقبولة عراقياً وسهلة التسويق اقليمياً ودولياً.
- رسالة مضامينها غير متعارضة مع ارادة الناخبين العراقيين، بمعنى أدق ، ان مضامينها ستكون موضع رضا وقبول الناخبين العراقيين من مختلف القوى المشاركة في الانتخابات.
- رسالة مضامينها دستورية، بمعنى انها لا تتعارض مع السياقات الدستورية التي تنظم اختيار رئاسات المؤسسات السيادية الثلاث والمتمثلة بالمواد (55-70-76) من الدستور.
- رسالة ذات مضامين تهدف الى مأسسة الحياة السياسية العراقية. بمعنى أدق، حتى لو قبلت هذه المضامين صفقات واتفاقيات وتوافقات خارج اطار القبة البرلمانية فانها بالنتيجة ينبغي ان تكون صفقات واتفاقيات وتوافقات معلومة وشفافة ومقنعة بالنسبة للمواطن. وهذه الشفافية وتلك القناعة لا يتلمسها المواطن الا اذا كانت خارجة في الاخير من الرحم الطبيعي لها، اي من رحم مجلس النواب، كجزء من واجباته السياسية الاساسية التي ينبغي أن تسبق واجباته التشريعية والرقابية.
اعزائي عشاق حكم العراق، دعونا نغادر تسجيل مسؤولية التقصير في معالجة معظم ازمات العراق، لاسيما في ما يتصل باختيار الرئاسات السيادية الثلاث. صحيح ان مجلس النواب يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، حيث تباطأ وتراخى عن تأدية واجباته السياسية الاساسية، وظل ينتظر فقط ما تسفر عنه اتفاقيات وصفقات وتوافقات رؤساء الكتل المتنفذة، دون أن ينتبه الى واجباته المتمثلة بــ (العمل) وليس بـــ (الانتظار)، ضمن اطار جلسته المفتوحة (جلسة الانتظار) التي كان يفترض أن تكون (جلسة عمل) مفتوحة لا (جلسة انتظار) مفتوحة.
والسؤال ما بعد الانتخابات المقبلة كيف نتجاوز ولا نكرر ما حصل بعد الانتخابات السابقة، وبالذات نتجاوز عقدة مجلس النواب الحالي من التباطؤ والتراخي والتقصير والاخفاق في تنصيب الرئاسات السيادية الثلاث (رئاسة مجلس النواب – رئاسة الجمهورية – رئاسة مجلس الوزراء)؟
نتوقع أن تكون هناك حوارات وصفقات وتوافقات للحصول الى (اتفاق صفقة) بين القوائم الفائزة يخص اختيار الرئاسات الثلاث مرة واحدة. ولكن إذ لم يتحقق هذا الحل للعقدة ثلاثية الابعاد فالمسؤولية تقع على اعضاء مجلس النواب المقبل لكي يواصلوا بشجاعة ومسؤولية مهامهم داخل مجلس النواب يوميا من اجل جلسة عمل مفتوحة، لا جلسة انتظار مفتوحة . وفي هذه الجلسة تعلن الكتل النيابية عن نفسها بعد اختيار رئيس مجلس (السن) المؤقت مباشرة لتصبح الكتل النيابية الكبيرة، وغيرها مسجلة وحسب المتوقع، بعدد لا يتجاوز الثلاثة او ربما الاربعة او الخمسة.
عندها على كل كتلة من هذه الكتل النيابية الكبيرة أنْ تُسمي داخل مجلس النواب المقبل مرشحها لرئاسة مجلس النواب، مع اعطاء الحق للكتل الصغيرة الاخرى لتسمية مرشحها من خارج او من داخل الكتل الكبيرة، ويتم التصويت على مجموعة المرشحين الخمسة، او الاقل او الاكثر ، على درجتين او اكثر ، ومن يحصل على النصاب المقرر دستوريا للفوز (51%) من الاصوات حسب المادة (55) من الدستور يتولى منصب رئاسة مجلس النواب، ويكون الثاني في التسلسل بعده نائبا اولاً والثالث بعدهما النائب الثاني لرئيس المجلس وتنتهي الجلسة الاولى المفتوحة.
أما بالنسبة لتولي منصب رئيس الجمهورية فإن السياق ذاته يمكن اتباعه في الجلسة الثانية لمجلس النواب، وسيكون منصب رئيس الجمهورية الجديد لمن يحصل، في جولة او اكثر على ثلثي اصوات اعضاء المجلس حسب المادة (70) من الدستور . وكذلك بالنسبة لاختيار المكلف بتولي منصب رئاسة مجلس الوزراء. أي ان تولي هذا المنصب يمكن ان يتم وفق هذا السياق ايضا، ومن يفوز بالاغلبية المطلقة من بين المرشحين من قبل الكتل النيابية الكبيرة الخمس او الاكثر المتنافسة سيكون المكلف من قبل رئيس الجمهورية الجديد لتشكيل الوزارة وفق السياقات الدستورية (المادة 76 من الدستور) هو مرشح الكتلة النيابية الاكبر.
إن خارطة طريق اختيار المكلفين بالرئاسات السيادية الثلاث آنفة الذكر هي خارطة تحترم ارادة الناخبين جميعاً من جهة، وتحترم الدستور وسياقاته وتوقيتاته الزمنية من جهة ثانية، وتحترم الاطر المؤسساتية التي تقتضيها عملية الانتقال الديمقراطي بعيدا عن الشخصنة المملة والصفقات غير المريحة والمحاصصة المقيتة والتدويل المرفوض .
هذا الآتي المتصل بالانتخابات المبكرة وما بعدها والتي ستمثل مفتاح كل المفاتيح الذي لا بديل له وعنه لتخطي مغاليق الحاضر السياسية والاقتصادية والصحية. ولكن ما العمل الان؟
الان لا يعقل أن تكون وحدة التراب الوطني العراقي، واستقلال العراق وسيادته ومناهضة خصومه وعلى رأسها الصهيونية العالمية قضية جدل واختلاف وخلاف بين عشاق حكم العراق، وكذلك لا يعقل الآن أن يقبل عشاق حكم العراق أن يكون عراق النفط مستورداً للبانزين، ولا ينبغي ولا يعقل الآن أن يقبل عشاق حكم العراق أن يكون عراق النخيل مستورداً للتمور، وعراق الرافدين مستورداً لمياه الشرب وجاذبا للتصحر، وعراق الثروات مرحبا بالمزيد من الفقر وغارقا بالبطالة وسابحا بالفساد ومستقويا بالاغيار الاجانب. نعم لا يعقل أن تقبلوا ذلك ياعشاق حكم العراق بل ينبغي أن تدخل معالجات هذه المشكلات ضمن دائرة الاستحقاقات الوطنية التي لا اختلاف ولا خلاف عليها بينكم وعند ذلك ستكون الارضية صالحة لانتخابات مبكرة مقبلة ولعراق جديد يقبل عشقكم له ولا يكذبه.