د. صادق كاظم
أكثر من ستة عقود مرت على 14 تموز من العام 1958 التي حققت للعراق وشعبه العديد من الإنجازات العظيمة, وفي الوقت ذاته واجهت العديد من التحديات وجوبهت بتحالفات داخلية وخارجية معادية ارادت اجهاضها باي ثمن فكان المشهد الدموي المؤلم بعد أربعة أعوام لقائد الثورة مقتولاً بدمٍ باردٍ ومضرجاً بدمه برصاص خصومه. كان النظام الملكي في العراق واحداً من الانظمة التقليدية في المنطقة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الاولى وتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية بعد مؤتمر الصلح في باريس واتفاقية سايكس -بيكو مع فارق ان العراقيين لم يقبلوا بان تظل بلادهم تحت حكم مباشر بريطاني فتم ايجاد صيغة مقبولة لانشاء نظام ملكي دستوري مقيد مقابل معاهدات تشرعن الوجود البريطاني في العراق ,صحيح ان النظام الملكي اظهر الكثير من التسامح في مجال الحريات السياسية والفردية وكانت هناك صحافة حرة وحركات سياسية ناشطة على الارض وحكومات يتم اسقاطها بسهولة عن طريق الاحتجاجات او المراسيم الملكية , لكن بالمقابل كان هناك قمع ضد الحركات اليسارية وحوكم رئيس الحزب الشيوعي بالاعدام في سابقة تاريخية لم تسجل في المنطقة ,حيث لم يسبق ان اعدم زعيم لحزب لمجرد عقيدته السياسية رغم ان اليساريين في العراق لم يطلقوا الرصاص يوما على اي مسؤول في الحكومة ,اضافة الى هيمنة وتسيد النظام الاقطاعي المجحف في اقصى جنوب العراق ,حيث اكثر من 100 الف مزارع كانوا يعيشون تحت ظروف لا انسانية, حيث لم يقبل النظام الملكي التفريط بعلاقته مع الاقطاع مقابل ايجاد حل لمشكلة انسانية ظلت تتفاقم حتى انفجرت بنزوح موجات بشرية ضخمة من الفلاحين نحو العاصمة مشكلين احزمة فقر حولها , اصر النظام الملكي على اهمالهم وعدم الالتفات لمعاناتهم .
النظام الملكي بقادته البارزين وخصوصا نوري السعيد وعبد الاله تماهى ايضا مع الغرب وخصوصا بريطانيا التي كانت تمثل الاولوية بالنسبة للنظام وكان النظام مندفعا وبقوة مع السياسات والمشاريع والاحلاف البريطانية في المنطقة والدخول فيها، فكان حلف بغداد الذي قوض كثيرا من الرصيد الشعبي والجماهيري للنظام داخل العراق والمنطقة . كما ان الانظمة الملكية الثلاثة مسؤولة عن هزيمة حرب العام 1948 وضياع ارض فلسطين ، ما ادى الى ظهور تنظيمات عسكرية سرية مضادة لها كانت بدايتها في مصر في 23 تموز 1952 والعراق وثورة 14 تموز 1958 .
عدم تطور النظام السياسي الملكي واحتفاظه بالوجوه القديمة نفسها التي كانت تدمن السلطة وتمارسها رغم شيخوخة النظام الملكي، اصابه بالعطب وجعله عاجزا عن مواكبة التغيير ,اضافة الى وجود عبد الاله الذي لم يكن يملك رصيدا شعبيا يذكر لدى الشعب و ظل مصرا على الاحتفاظ بدوره راعيا ووصيا على الملك فيصل الثاني وتدخله في السياسة الداخلية بشكل مؤثر من دون التخفيف من هذا التواجد والاهتمام بايجاد حلقة من المستشارين الشباب والكفوئين المحيطين بالملك بدلا منه حتى وصلت الاحداث الى نهايتها في تموز وسقوط النظام باكمله.
تبقى لثورة 14 تموز خصوصيتها التاريخية والسياسية ,و انها انهت ارتباط العراق بالاحلاف والمحاور الاستعمارية بالمنطقة وحررت ثروات العراق وخصوصا النفطية منها من هيمنة الشركات الاحتكارية واعادتها للعراق, اضافة الى رفع المستوى المعاشي والاقتصادي للمواطنين وتطور قطاع التعليم بجميع فئاته ومراحله ودخول ما مجموعه اكثر من 80 بالمئة من اطفال وشباب العراق في تلك الفترة الى قطاع التعليم والجامعات . كذلك عرفت البلاد مشاريع عمرانية بمختلف المجالات كانت لها بصمتها المميزة والباقية حتى الان , وستبقى 14 تموز منعطفاً تاريخياً بارزاً .