د. سعد العبيدي
الجيش العراقي الذي نفذ التحرك على الملكية ونجح في تغيير نظام الحكم الى جمهوري صبيحة 14 تموز 1958، كان هو المؤسسة العراقية الأكثر تأثراً بنهج الثورة وتطوراتها، إذ وبعد النجاح وفرض السيطرة على الدولة وتسلم بعض الضباط المشاركين بالثورة العديد من المناصب السياسية. التفتوا لتطوير المؤسسة العسكرية ذاتها، إذ أصدرت الحكومة آنذاك أوامر بقبول المئات من الشباب في دورات بكليات الاحتياط ومنحهم رتباً، يحسب تعميمها الأول في الجيش (ن.ض.ت.ح) التي تعني نائب ضابط تلميذ حربي، وعن طريقها دخل الى الجيش أول مرة مئات الشباب من أبناء الوسط والجنوب، وزادت فرقه الى خمس فرق فاعلة وبدأ التحول التدريجي في التسليح من الغرب (البريطاني) الى الشرق السوفييتي، خاصة في القوة الجوية التي دخلت في أسرابها المشكلة حديثاً طائرات الميغ (17) ومن ثم (19) وهكذا صعوداً وفي الدروع دخلت الدبابة الروسية الشهيرة (T34) ومن بعدها الأكثر شهرة (T54) التي استمرت في الخدمة طويلاً.
لكن الجيش الذي وجد زخماً قوياً في الدعم والتطوير من عبد الكريم قاسم قائد الثورة، قد اسهم في القضاء عليه وعلى الثورة مستخدماً الأسلحة والمعدات والطائرات الحديثة آنذاك في الهجوم على وزارة الدفاع التي اتخذ منها عبد الكريم مقراً لإدارة الدولة، في الثامن من شباط 1963. بقيادة الضباط البعثيين وعبد السلام الرجل الثاني في ثورة تموز.
إن التغير أو الانقلاب الذي حصل في شباط غيّر من معالم الجيش العراقي وبعض قيمه وتقاليده، إذ على الرغم من الفترة القصيرة التي حكم فيها الانقلابيون العراق والتي قلت عن السنة، لكن خطوات تسييس الجيش ودفعه باتجاه العقائدية الحزبية قد بدأت من تلك الأيام التي حصل فيها منح رتب عليا لأغراض السياسة خلافاً للتقاليد العسكرية، وبدأ التخطيط للقبول الحزبي في الكليات العسكرية وكذلك منح الرتب العسكرية الى الحزبيين وبطريقة أسست لخطوات وجد فيها الانقلابيون أنفسهم بعد العام 1968 أساساً لحرف الجيش العراقي الذي أراد له ثوار تموز أن يكون جيشاً مهنياً مدافعاً عن الوطن ، فتغيرت من بعد تلك السنة موازين حساب القدرة في الجيش، واتجه الانقلابيون الى الكثرة على حساب النوعية، وأدخلوا الشباب الحزبيين الى الجيش أفواجاً وكانت خطوتهم الأولى قبول الناجحين في الصف الخامس الثانوي والراسبين فيه بدورتين خاصتين، منحوا بعد اتمامها رتبة (ن.ض.ت.ح) لما يقارب ألفي حزبي توزعوا على صنوف الجيش عول عليهم الحزب آنذاك لتغيير وجهته ليكون جيشاً عقائدياً.
إن الجيش العقائدي الذي ابتعد كثيراً عن الخط الذي رسمه ثوار تموز كان قد أرهق الدولة العراقية بزيادة أعداده واحتكاره الموازنات الضخمة من أجل التسليح والتجهيز وخوضه الحروب غير المبررة انتهى عام 2003 بطريقة مأساوية لم يتمكن فيها من تحقيق غاية الدفاع عن الدولة، لأسباب أهمها الإصابة بداء العقائديَّة.