الإصدار النقدي الجديد

اقتصادية 2020/07/18
...

د. باسم الابراهيمي
 
تداول البعض في الآونة الأخيرة مقترح طباعة العملة او الإصدار النقدي الجديد، كما يسمى، وذلك من باب الحلول الممكنة لمعالجة الازمة المالية التي تمر بها الحكومة نتيجة جائحة كورونا، فهل يمكن تنفيذ هذا المقترح؟ وما هي النتائج المحتملة في حال تطبيقه؟ .
ومن اجل توضيح حيثيات الموضوع نشير الى أن الحكومة من خلال وزارة المالية تملك حسابين رئيسين (إضافة الى حسابات أخرى) الأول بالدولار تودع فيه عوائدها الخارجية (من النفط) والتي تشكل بحدود (95 بالمئة)، والثاني بالدينار تودع فيه عوائدها المحلية (من الضرائب والرسوم والعوائد الأخرى) وهي بحدود (5 بالمئة).
وبالتالي فان الحكومة عندما تريد دفع المستحقات الداخلية تطلب من البنك المركزي التحويل من رصيدها بالدولار الى حسابها بالدينار، أي انها تشتري الدينار من البنك المركزي. والسؤال ماذا لو كان رصيد المالية غير كاف لسد متطلباتها؟.
قبل صدور قانون البنك المركزي رقم 56 لسنة 2004 كان احد الحلول الرئيسة يتمثل في الاستدانة المباشرة من البنك المركزي (السحب على المكشوف) من دون أن يكون للأخير الحق في الاعتراض، اما بعد صدور القانون المذكور، فان هذه الآلية توقفت، والسبب ان القانون بات يمنع البنك المركزي من تقديم الدين المباشر للحكومة مع السماح له بتقديم الدين غير المباشر من خلال إعادة خصم السندات الحكومية في السوق الثانوية، أي شرائها من المصارف وليس من الحكومة، 
وذلك في اطار الاستقلالية التي منحها هذا القانون للسلطة النقدية والتي تهدف الى تحديد عملية الاستدانة الحكومية وعدم استغلال الاخيرة هذا الباب لأغراض سياسية وإصدار المزيد من العملة وبالتالي انخفاض قيمتها نتيجة التضخم الناجم عن زيادة الإصدار أي ان القانون كان يهدف بشكل رئيس 
الى منع الاستخدام غير السليم للدين.
عليه فان عملية الإصدار النقدي الجديد لا يمكن تنفيذها قبل تعديل القانون اولا، ولكن اذا ما تم ذلك فان العراق سيفقد واحدة من الإنجازات المهمة بعد العام 2003 والمتمثلة في استقلالية البنك المركزي، وما لذلك من اثر سلبي في ثقة المؤسسات والمنظمات الدولية، وما له من تبعات على تصنيف العراق الائتماني، فضلاً عن التعامل مع تلك المؤسسات والقدرة على الحصول على الدعم المالي والفني، كما ان هذا الاجراء له تبعات سلبية على عملية جذب رؤوس الأموال الأجنبية التي نطمح لها.
وبعيداً عن كل ذلك فان النتائج التي يمكن أن تحققها عملية الإصدار النقدي لا تختلف عن عملية الاقراض غير المباشر والتي بادر بها البنك المركزي قبل أيام من خلال إعادة خصم سندات حكومية بقيمة ثمانية تريليونات دينار، الا ان هذه العملية تبقى مرهونة بموافقة السلطة النقدية وتقديرها للحاجة الفعلية لحجم الازمة وحاجة الانفاق الحكومي، ما يدعونا الى عدم التفريط باستقلالية البنك المركزي التي تعد صمام امان اقتصادي مهماً وضرورة الاستعانة بالمتخصصين لمعالجة الأزمة.