يُعاينونني ولا يَرونَ صحراءً أجرُّهَا كَمَا تجرُّ النّمورُ فرائسَهَا

ثقافة 2020/07/18
...

حميد حسن جعفر
 
 
 
الواقف بمحاذاتك كأي جمل يرى الصحراء للمرة الأولى هو أنا؛ لذلك أتفادى لقاءك، رغم أني كثيراً ما أطلق سعاة بريدي بين محاربيك، ورياض الأطفال، ليستطلعوا تخمينات المنجمين حول طلوعك وغيابك، ما من فتنة أشد فتكًا من أن تتركي ما يشبه يرقات دودة القز على أوراق شجرة رقشتها على فستانك الشبيه بالغابة، كنت تتخلين عن دروس الفيزياء لشخصي، لأتخلى لك عن دروس النشاط اللاصفي، فأجد الصغار بحوزتي، وأجدك مصطحبة الى حيث اللهو ثلاثة او أربعة ممن يترقبون قبولك او رفضك لغزل هذا، او لشجن ذاك، وغرور الشديد الوثوق بمن يمتلك الفيصل.
أما أنا الأقرب الى الفرضية الكثير البعد عن النتائج ما زلت أدرب روحي على تحمل مشقة السفر الى بيتها، فأنا سائق البوكلن الذي يعمل على جرف النباتات الضالة، وتعميق مجرى الجداول المتجهة صوب حقول البنجر السكري، وأنا الموظف الذي لا يشتكي سوء تصرف مسؤول توزيع الأراضي المستصلحة، تلك التي ستكون من حصة الفلاحين المغاربة، وأنا شرطي الأمن الذي يتابع تحركات أعضاء إحدى الخلايا الحزبية المناوئة لحكومة رئيس الوزراء - طاهر يحيى- والمتماهي بهيئة أحد المدراء العامين، وأنا الفلاح الذي يفشل في الحصول على الدونمات الأربعين ضمن العقد المبرم قبل سنوات ما بيني والمديرية العامة للزراعة، لأجد نفسي أحد عمال سينما البلدية الصيفي، كل هذا وما زلت ما إن أجيء على بالك، اكتشف تلقائياً أني أقف عارياً بين يديك، عارياً تماماً، وأنت تدققين النظر بما ترك أطفالنا الذين اشتركنا بإنتاجهم، ما تترك المخالب، والأنياب على جثة الغزال، كنت أكثر من ممثل فاشل، كنت أحاول ألا أكون هدفًا لكاميراتها، أو أكون صيدًا سهلًا تبرر عبره إزاحتي عن حساباتها، لذلك سأبدل أقنعتني، وما يسمى الإقامة، سأترك كل ما يشير إلي، من ارتباك المنشار القرصي، وهو يشذب ساقي التي كانت في يوم ما شجرة احتفالات الأطفال وهم يجتازون السنة الثانية من أعمارهم من غير أن يصابوا بإنفلونزة الخنازير،
هل كنت وإياي تتابعين احتجاجات الفلاحين حين اكتشفوا ان اليوريا كسماد كيمياوي والذي زودتهم به الجمعية التعاونية - كمشروع فردي استثماري - لم يكن من المنشأ الأصلي،
ولكي لا أثير حفيظة الاقطاعي أعلنت  الولاء لك،
لم يكن هذا ضمن التنازلات، فأنا لا أحب ان أكون مخذولًا أمام  رماتك، وأنا أعرف أن حديقة الحيوانات هو المكان الذي يتحقق وسطه انتصارك على الداخل إليك، او الخارج منك، بعيدا عن حسابات ذهاب أطفالنا - الذين تكاثروا كالجراد - الى الحروب، او الى المنتزهات،
جارتك التي تبعد عنك مسافة 180 كم لم تعد تراسلني،
هكذا أعلن جانبًا مضيئًا من زمالتي لليرابيع، للسباع، هكذا يحدد الجمل علاقته بسواك،
لا وحشة قد تتركها الثورات، حين تتركه وحيدًا لامر واقع، هكذا أمتلك كل ما في العالم من خشونة متابعة الهدف، والقدرة على التواطؤ مع الرضا، من خلال استبدال المقاصد كما يفعل الكثيرون حين يجتهدون بصناعة الوهم، ليتمكنوا من الصدمة، كما تمكنت ذات يوم من أن أجعل من حقيبة ليس من السهل أن يهملها أي مسافر، أن أجعل منها المساء الذي لا أحد يقرأ ما على جدرانه من وصايا، وشواهد،
كان فسيحًا كأي صحراء، وكنت أضيئه بأصابعي، وكنت تطفئينه بالإهمال،
من هنا، من غير أن أدرك ذلك، كان الكثيرون يعاينونني ولا يرون صحراء أجرها كما تجر النمور فرائسها، 
بأي من الصور كنت أبدو وسط الظلمة؟
أنا الذي كنت أدعوك لأن تكوني مربيتي، أدعوك الى أن تباركي تزهيرا مبكرًا وتدعيني الى نظرية النسيان،
لأي من سكان القرية التي كانت تحمل اسمي - سفينة الصحراء - له مصلحة في تحويل مدارسها الى ثكنات، ومراكز طب الأسنان الى فرق دفاع مدني،
لمصلحة من تصادر المسطحات المائية التابعة لاتحاد السباحة الأولمبية /ذوي الأطراف المبتورة، كما لو كانت معملا لحلويات أبو نمير، ويتم تعمير معمل أملاح شهربان كما لو كان مجموعة معامل للأطراف الصناعية،
على بوابة الصحراء كنت جملا أبيض مجللا بالمقاطعة، أعاين أناسًا يدخلون ويخرجون، لا نسوة سوى امرأة تعاينني للمرة الأولى كأن لم تعاين رجلا مرت به مسرعة من قبل،
كان الزجل الذي أشبهه يحاول أن يسألها عن الصحراء التي ستصاب بالدهشة حين يدخلها أي فاتح، او يسألها عن تأثيثات ابتكرتها بنفسها جنوب تلك الصحراء،
هل كانت تضيء للرحالة والجوالين واللصوص كذلك منافذ ومخارج العالم،؟ ربما ستسخرين من توقعاتي، من بقائي على شاكلة الأنبياء،
كأن لا ثورات، لا إقصاء ،لا حروب، لا حكومات متعاقبة، لا رؤساء وزارات،
كأن لم أكن أول من رقش كتفيك بالنسور، وجدار معدتك بالماعز الجبلي.