مكافحة الروتين من أجل التغيير

ثقافة 2020/07/19
...

ميادة سفر
 
لعلَّ أبشع ما يمكن أنْ يصل إليه الإنسان في حياته هو التعود، على وضعه ومحيطه وعمله وعلاقاته وأسلوبه وأفكاره، والأكثر سوءاً أنْ يتعود عليك الآخرين في شكل ومظهر وخطاب معين، حيث لا يعود مقبولاً منك التغيير أو التجديد، ولا لوم عليهم طالما دخل الفرد منا اللعبة، تعود على ذاته، ومارس الجمود والتكرار، الأمر الذي سيؤدي إلى ما يشبه الانتحار المعنوي، لشخصيته وإرادته ووجود ككائن مؤثر في المجتمع.
حيثما وجد الإنسان كان محط مراقبة من الآخر، وكأن كاميرات تترصده في كل حركاته، بغض النظر عن علاقته به، بحيث لن يتمكن من التخلص من تلك الملاحقة إلا صاحب الإرادة والشخصية القوية، الذي بإمكانه الخروج من القطيع وكسر الطوق المحيط به.
حين تقرر مثلاً أنْ تلبس “الجينز” بدلاً من البدلة الرسمية التي اعتدت ارتداءها، أو قررت ذات صباح أنْ تمارس رياضة الركض، أو قررتِ أيتها الفتاة تغيير لون شعرك أو تسريحته أو الخروج بمكياج أو بدونه، ستتلقفك العيون قبل الألسن، وتسلط عليك سهام الاستهجان والاستنكار والرفض من البعض، وكأنهم يملكون بتصاريح خطية تخولهم تقييمك.
أما لو خطر في بال أحدنا أنْ ينادي بحقوق الإنسان عامة، والطفل والمرأة خصوصاً، لا سيما حقها على سبيل المثال بملابسها واختيار الزوج والدراسة، فهنا الكارثة، إذا كنت في مجتمع كمجتمعاتنا التي حددت مسبقاً التابوهات التي يحظر عليك المساس بها، وكأنها مواقع عسكرية “ممنوع الاقتراب 
والتصوير”. عند الحديث عن التعود لا يقتصر الأمر على رأي المحيطين بنا، بل إنَّ الأمر يتعلق بالفرد شخصياً، الذي تأقلم مع واقعه وروتين حياته، نحن لم نروض على فكرة التخلي عن الأشياء والأشخاص والأماكن، ولم نحتفظ في “ background” خاصتنا، احتمالية أنْ يأتي يوم نضطر فيه مجبرين أو بإرادتنا على التبديل والتغيير، رسخت في أذهاننا فكرة الأبدية والسرمدية، القائد الأبدي، المدينة الأم، الحبيب الأوحد، البيت الدائم، وقس على ذلك الكثير، كالفتاة التي تعلقت بأسرتها، تبكي وتنوح لمجرد فكرة الانتقال إلى بيت زوج قبلت به، ستحتاج وقتاً لتندمج في عالمها الجديد، والموظف الذي غير وظيفته، والطفل في أول يوم له في المدرسة بعيداً عن أمه.
من المفيد أنْ تحضر فكرة التخلي في أذهاننا دوماً، وهذا لا يعني التفريط بالأمور لأتفه الأسباب، لكنْ طالما الكون في تجدد مستمر، وبين لحظة وأخرى تحدث أمور وتخترع وسائل لم تخطر في بال، علينا أنْ نتهيأ لها ونتقبلها ونمارسها بحب.
كثيرون كانوا يرفضون حتى وقت قريب الكتابة على الكمبيوتر مفضلين القلم والورقة فقط لأنهم تعودوا عليها، لكن مع الوقت تخلوا عن هذه الفكرة، ودخلوا في التكنولوجيا ونجحوا ووفروا وقتاً وجهداً.
التعود يقتل المواهب ويقضي تدريجياً على الشخصية، ويدمر المستقبل، ويبدد الحب، ولا نتغنى بمقولة “الله محيي الثابت” فهي لا تصلح 
دائماً.