يقول مارسيل بروست في رائعته (البحث عن الزمن المفقود): إن الذاكرة ليست مستودعاً للذكريات فحسب، إنها طاقة الديمومة والتغيير المتدفق الى اللانهائي بداخلنا لتهبنا صورة متجددة للحياة والأحداث لزمن آخر عشناه منذ فترة..) جالت تلك المقولة بخاطري بعد مناخات العزلة التي فرضتها علينا قوانين (فيروس كورونا) والتي منحتنا فرصة إجبارية لاستعادة فعل التذكّر لأزمنة وهبتنا الحياة وأخرى نسعى عبر إغفاءات نوم لاستعادتها ونقلها من عوالم الافتراض الى عالم الواقع ليبقى الحلم مساحتنا المشتركة التي تربطنا بالزمن المقبل وبلحاظ الراهن الذي نتعامل به في محاولة منا لتحقيق (الزمن المستعاد) بحسب بروست، فثمة أشياء تتراءى لنا تنبثق من صور وذاكرة الماضي تهبنا حيوات أخرى ازاء تحد عام وشامل لمقدرات الحياة، إن صراعنا مع الوباء المستجد هو صراع وجودي لذلك نتمترس في قلاعنا الحصينة أمام حصاره العنيف ونراهن على صبرنا أولاً وعلى المقبل أخيراً للعودة مرة أخرى للتفاعل مع الزمن ونطلق العنان لنوارس الأمل كي تحلق على ضفاف الأماني والطموح، إن مرحلة عصيبة من التصدعات الكونية نتيجة الخطر الوبائي الماثل جعلنا نغفل مضطرين ازاء هجمة وبائية شرسة وإعلام متماهٍ مع وهن وعجز صحي عن ايجاد الحلول، حتى أن الأمور تركت على عواهنها مما فتح الأبواب بشكل واسع لأخيلة المشعوذين والدجلة والمحتالين لتمرير خرافاتها، وهذا متوقع ازاء غياب الرؤى والستراتيجيات الصحية للتعامل مع الوباء بعد انقضاء أكثر من سبعة أشهر مما جعل العالم في حيرة من أمره، فمن مرحلة الحجر المنزلي وشعار (خليك بالبيت) غير المحدد بسقف زمني مرورا بالحظر الشامل والجزئي الخالي من تقييم لتجربتهما وحتى مرحلة المناعة الجماعية (مناعة القطيع)، وما سيأتي من بعدها من ضبابية، وليس انتهاءً بتصريحات وتعليمات منظمة الصحة العالمية بخصوص طرق انتشار الفيروس، فتارةً ينتقل عن الطريق الهواء وأخرى تقول العكس والكثير الكثير من التناقض، ناهيك عن الفيديوهات التي يطالعنا فيها الأطباء وغيرهم ليسوقوا لنا تعليماتهم الصحية، وكل ذلك مع أخبار تطالعنا بها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام صباحاً عن نجاح علاج روسي في القضاء على الفيروس او بريطاني او اميركي وبتسميات كيميائية متعددة فتارةً خلطة ثلاثية من دواء "لوبينافير-ريتونافير" الذي يستخدم في علاج مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، ودواء "ريبافيرين" المستخدم في علاج التهاب الكبد الوبائي، ودواء "إنترفيرون بيتا" المستخدم في علاج التصلب المتعدد، علاج آخر باستخدام جرعة قليلة من عقار ديكساميثازون والذي يقال إنه أتى بنتائج تعد "تطورا كبيرا" في المعركة ضد الفيروس القاتل. وعلاج صيني تطالعنا الاخبار باكتشافه وهو يمديسيفير مضاد للفيروسات، أنتج في البداية لعلاج الإيبولا الذي ظهر في إفريقيا، وأظهر نتائج إيجابية لعلاج مرضى فيروسي "سارس" و "ميرس"، وكذلك فيروس كورونا المستجد. ومع كل ذلك تطالعنا منظمة الصحة العالمية وأخبار إعلامية صباحية بعدم فاعلية العلاجات وعدم اجازتها بالاستخدام علاجيا والتأكيد على تحفيز الجهاز المناعي للجسم ليكون حائط الصد لمنع اختراق الفيروس وليس هذا فحسب بل ان هناك من يحذرنا من اوبئة اخرى، لقد تشابه البقر علينا.!! فمن قائل إن نهاية الفيروس الوبائي قريبة وهو في نهايته، ومن يحذرنا من اوبئة فيروسية أخرى، ونحن بين كل ذلك نبحث عن زمننا المستعاد في محاولة لتأهيله وتجدده وفق المعطيات الحاضرة بالضد من المستجد للفيروس والأوبئة الأخرى.