العراق: قسمة وطنيَّة أم وطنٌ مقسّم؟

آراء 2020/07/20
...

أ.د. عامر حسن فياض
 
عاش العراق ويعتاش على خاصية حقيقيَّة وإيجابيَّة هي خاصية المقسم وطنياً، قبال تحديه لخاصية غير حقيقية سلبية هي خاصية عراق الوطن المقسم. بمعنى أدق إن التنوع القومي والديني والمذهبي في العراق يمثل حقيقة نالت إقراراً مجتمعياً مؤطراً جغرافياً ومحمياً وطنياً فلا خشية من (المقسم وطنياً)، بيد أن الخشية كل الخشية من (وطن مقسم) غير مؤطر جغرافياً، وغير محمي وطنياً.
والسبب أنَّ العلاقات المجتمعيَّة بين التنوعات بأبعادها كافة بما فيها البعد السياسي في عراق حقيقة (المقسم وطنياً) يمكن أنْ تظل بمثابة نعمة للعراق، طالما أنَّ هذه العلاقات بين المتنوعين هي علاقات تشاركيَّة تفاعلية. إذ إنَّ القسمة الوطنية هي قسمة تقوم على التشارك التفاعلي، بينما العلاقات المجتمعية بين المتنوعين في عراق (الوطن المقسم) ستصبح بمثابة نقمة على العراق، طالما أنَّ هذه العلاقات لا يمكن أنْ تكون إلا علاقات تعارضية تصارعية بأشكالها كافة، وصولاً الى الشكل الدموي. لأنَّ (الوطن المقسم) هو وطنٌ يقوم على تعارض انفعالي المنطلقات، وكارثي النتائج.
إنَّ نبرة التقسيم في العراق هي من بين النبرات التي تلوكها الألسن المحليَّة. كما أنها من الرغبات والأمنيات التي تعمل على تمريرها وتحقيقها قوى إقليميَّة متأسلمة ودوليَّة نفعيَّة. قوى خشنة وناعمة، بالترغيب والترهيب، تمول وتجند وتدرب وتفتي، وتسكت وتدعم وتوظف كل المهمشين في العالم من المرضى المتعطشين لإشباع شهواتهم للمال والجنس والدم لحساب بوصلتهم المتمثلة بتجريف فكرة الدولة المدنية وتحطيم مؤسسات الدولة الوطنية الديمقراطية الاتحادية في العراق.
في كل الأحوال إذا كان التقسيم نبرة أو رغبة أو أمنية فعلينا التعامل معها انطلاقاً من معادلة الانفصال والاستقلال. تلك المعادلة الجدلية التي تشير عند تفكيكها وإعادة تركيبها الى أنَّ الانفصال من السهل إعلانه كانفعال لا تفاعل من قبل الشركاء في الوطن. ومن السهل منحه كوهم، أو التبرع به كمؤامرة من قبل الأغراب غير العراقيين. غير أنَّ من الصعوبة تحقيق الهدف البريء والمشروع منه، أي هدف الاستقلال.
فالاستقلال لا يوهب ولا يعلن بشكل انفعالي من قبل المستحقين له، ولا بشكل ارتجالي استكباري من قبل الأغراب الإقليميين والدوليين. بمعنى آخر أنَّ إعلان الانفصال يختلف عن إعلان الاستقلال، فإن لم يؤدِ الأول الى الثاني فإنه يؤدي بالنتيجة الى حروب وفوضى واقتتال أهلي بين الشركاء في الوطن.
إنَّ الاستقلال في الأزمنة المعاصرة يحتاج الى حالة ديمقراطية تفاعلية تشاركية مستقرة، في بلاد خارجة من نزاعات مسلحة، من جهة، ويحتاج الى غطاء دولي يستحصل من إجماع أممي صادر عن دول مجلس الأمن، وبشكل خاص الدول الخمس الكبرى، من جهة ثانية.
بالنسبة لحالة العراق الذي لم يصل بعد الى حالة الديمقراطية التفاعلية التشاركية المستقرة، إذ تسود النبرة للتقسيم محلياً والرغبة والأمنية بالتقسيم إقليمياً ودولياً فإنَّ الحرب قائمة، والنزاع المسلح متواصل مع الإرهاب، عندها فلا انفصال يقود الى استقلال، إذ لا وجود لحقيقة الاستقلال، على الرغم من وجود نبرة أو رغبة او أمنية التقسيم والانفصال.
أما بالنسبة للغطاء الدولي فإنه صعب المنال وبعيد التحقيق لأن الفيتو الروسي والصيني داخل مجلس الأمن ليس متوقعاً فحسب بل أكيد، لأنَّ مثل هذين العملاقين الدوليين لا يسمحان بدعوات التقسيم والانفصال في بلدان الآخرين، ليس حباً بالآخرين بل حبٌ بأنفسهما، وانَّ عدم الاعتراض الروسي والصيني على أي قرار تقسيم لأي بلاد في العالم يفتح أبواب جهنم التقسيميَّة الانفصالية على روسيا الاتحادية والصين.
وأخيراً، إذا كانت البوصلة عند العراقيين بتنوعاتهم هي الديمقراطية التفاعلية التشاركية في إطار دولة مدنية اتحادية فإنَّ التقسيم لا يحصل، والانفصال لا يحصل، أما الاستقلال فإنه يحصل للجميع، برضا الجميع، ولمصلحة الجميع من غير الأغراب.
باختصار، إنَّ العراق المستقل هو عراق القسمة الوطنية وليس عراق الوطن المقسم أقساماً تابعة.. وباختصار آخر، إنَّ الانفصال لا يؤدي الى استقلال لا للمنفصل ولا للمنفصل عنه.