منصة نيوتن

آراء 2020/07/21
...

نبيل إبراهيم الزركوشي 
 

تؤكد آخر الإحصائيات أن جائحة كورونا تسبب في انقطاع أكثر من مليار وستمئة متعلم في 161 بلدا، أي ما يقرب من 80 % من مجموع الملتحقين بالتعليم في العالم، وهو أمر تطلب إيجاد حلول لتجاوز هذا الخطر الكبير الذي يعد ذا أثر على شريحة مهمة من شرائح المجتمع، فكان التعليم الالكتروني أحد هذه الحلول التي نجحت فيها الدول الغنية لتوفر متطلبات هذا النوع من التعليم لديها مسبقاً كالانترنيت ذي السرعة العالية والمناهج المحوسبة، فضلا عن ملاكات مهيأة لذلك كانت تمارس هذا النوع من التعليم خلال الفترات التي سبقت الجائحة، وهناك دول أخرى تتشبث للالتحاق بركب هذا النوع من التعليم الذي أصبح إلزاماً لا خياراً كون موعد تلاشي شبح الجائحة مازال في علم الغيب والتعايش معه منهج اتخذته أكثر الدول، ولعلَّ القرارات الأخيرة لخلية الأزمة فيها مؤشر لذلك، أي أننا على أعتاب مرحلة التعايش مع الجائحة، من هنا لا بد من وضع ستراتيجيات واضحة لهذه المرحلة وخطط مدروسة ومحكمة من قبل الخبراء والملاكات التربوية، وتكون هذه الخطط ذات أهداف محددة يمكن تحقيقها عبر تأسيس قنوات تواصل مع جميع المديريات وليس الاعتماد على هيئة الرأي، كما هو معمول به في أكثر القرارات التي تصدرها الوزارة، ووضع خطة زمنية لا تتجاوز بداية العام الدراسي المقبل الذي لم يبق سوى شهرين او ثلاثة أشهر عليه، ولعل خطوة تأسيس منصة تعليمية باسم (منصة نيوتن) كانت بداية جيدة للدخول الى بوابة التعليم الالكتروني، ولكن يجب السعي لتوفر المستلزمات الأساسية التي يمكن ان تجعلنا ننجح في هذا المجال، ولعل أهم أمر هو توفر الانترنت ذي السرعة العالية الذي طالبت به مجلس الوزراء الشركات العاملة في العراق، وهي بدورها أي هذه الشركات وعدت بأنها سوف توفرها وتتحول الى الجيل الرابع مع بداية العام الجديد، وأعتقد كان من الأجدر أن تعترض وزارة التربية على ذلك، وجعلها مع بداية العام الدراسي إذ إنَّ التحول من الجيل الثالث الى الرابع أمر لايحتاج الى هذه الفترة الطويلة حسب مختصين، وأيضاً من تجارب الدول الأخرى التي مضى على تحولها الى هذا النوع من الانترنت سنوات، فضلاً عن السرعة العالية يجب توفر خدمة الانترنت بشكل مجاني للطلاب، تماشياً مع مجانية التعليم التي أقرَّها الدستور العراقي؛ كي لا ندع مجالاً لتسربهم بحجة ارتفاع الكلفة المادية للخدمة التي تضيف على الأسرة العراقية عبئاً آخر وخاصة التي لديها أكثر من متعلم في البيت الواحد، مما يقلل من تشجيع الأهالي لأبنائهم لاستخدام هذا النوع من التعليم، الأمر الآخر هو تأهيل وتدريب الملاكات التعليمية على هذا النوع من التعليم، اذا ما علمنا أن العديد منهم يحتاج لذلك كون الامر لم يكن يحظى بالكثير من القبول سابقاً من جميع أطراف العملية التعليمية، وان تتكفل الوزارة عبر مؤسساتها التدريبية بتقدم الدورات والدروس التدريبية وعمل إحصائية بأعداد الملاكات التي لا تجيد استخدام الحاسوب والتقنيات الحديثة مع مراعاة الجدول الزمني والإسراع بإعداد الخطط التدريبية لذلك والاستعانة بالملاكات التربوية التي تقدم هذا النوع من التعليم، إذ إنَّ الخبرة وحدها لم تعد عاملاً أساسيا في التعليم، بل أصبحت المهارة هي سيدة الموقف التعليمي، فكلما تسلح المعلم او المدرس بمجموعة مهارات بات حرياً به أن يكون في طليعة من يوفر التعليم لابنائنا وبناتنا وجعلهم يُقبلون على الدروس؛ لأنَّ عدم توفر الرغبة لدى أكثر الطلبة أمر نتلمسه من خلال عملنا خلال هذا الفترة بالتعليم عبر المنصات الالكترونية، ويحتاج ذلك الى تضافر الجهود بين المعلم او المدرس والطالب ونوعية الأداء وطريقة إلقاء المعلومة واتباع الطرق التي تجعلنا نعرف أنَّ الطالب قد اكتسب المعلومة بصورة جيدة، ولعلَّ هذا الامر يتطلب المزيد من الجهد والتعب والتعاون بين الجميع، وهنا لا ننسى دور التلفزيون التربوي رغم قلة الإمكانيات التي لدى الوزارة إلا أنها تحاول وبشكل جدي وهي نجحت في الكثير من الأمور التي تبنتها، وكانت حاضرة في العديد من البيوت العراقية عبر ما تقدمه من دروس وارشادات وتوجيهات تحث الطالب على الدراسة والاجتهاد، وللمحافظة على هذا النجاح يجب ان يكون لديها خطاب موجه الى أولياء الأمور ايضا وليس الاقتصار على الطالب وحده؛ لأن تعلم المواطنة وكيفية تكوين العلاقات الاجتماعية وغيرها من الأمور التي كان يكتسبها المتعلم خلال فترة تواجده في المدرسة أصبحت الآن على عاتق البيت ويجب أنْ يكون هذا التوجيه وفقاً لأسس علميَّة وأكاديميَّة واضحة.
إن التعليم في عتمة الجائحة هو تحدٍ يقع على عاتق الجميع والنجاح وبالتالي الخروج من هذه الأزمة أمرٌ لا بدَّ منه أما الوقوف وانتظار النتائج الغيبية فأمر من شأنه أنْ يضيع علينا جيلاً نحن في العراق بأمس الجاحة إليه كوننا نتطلع الى بناء دولة قوية ذات مرتكزات رصينة من شأنها أنْ تنهض ببلدنا وبشكل سريع للالتحاق بركب الدول المتطور هو أمر أعتقد نحن قادرون عليه لأننا نملك جميع المقومات لذلك.