مقارنات إحصائيَّة!

الصفحة الاخيرة 2020/07/22
...

حسن العاني 
 

لحظة اقترابي من الصحافة قبل 55 سنة تقريباً، تولّد عندي يقين مفاده ان العاملين في بلاط صاحبة الجلالة (يجب) أن يكونوا شريحةً بمؤهلات ثقافية ومعرفية لا تتوفر لاية شريحة اخرى، ذلك لان الشرائح المهنية جميعها تقوم على نوع من المعرفة التخصصية... هذا هو شأن الاطباء والمهندسين والعسكر والتجار والفنانين والنجارين واسطوات البناء ...الخ، ليسوا مطالبين باكثر من اتقان حرفهم ومهنهم، فان رغب هذا او ذاك بالاطلاع وتوسيع دائرة معلوماته فذلك خير، وهو امر يحسب له ويوضع في ميزان شخصيته، أما الاعلامي عامة والصحفي خاصة فانه (مطالب) أن يكون ضليعاً وملماً في امرين، اولهما: المعرفة التامة بمتطلبات عمله.. يعرف انواع الخبر مثلاً وشروط المقالة والتحقيق والاستطلاع، وكيفية انتقاء العنوان وعلاقته بالمضمون، ويجيد فنون اللقاء والحوار والتخفي وراء السطور اذا ضايقته السلطة و... وباختصار عليه أن يميز بين التقرير الصحفي وبين تقرير المخبر السري...الخ.
وثانيهما: أن يتحلى بقدر مقبول من الثقافة العامة، عليه أن يمتلك شيئاً من كل شيء، اللغة والفلسفة والسياسة والتاريخ والجغرافيا والرياضيات واعراض الحمل وعلم التنجيم والفلك والغناء والرقص الشرقي، وأن يكون صاحب رؤية وقدرة على التحليل والاستنباط، ويعرف على سبيل المثال، لماذا نحن بلد ديمقراطي على طول الخط ولكننا لا نؤمن بالتداول السلمي للسلطة...الخ.
عبر مسيرتي الصحفية، حاولت جهد الامكان أن اكون على هذا النحو، وهو امر مستحيل بالطبع، فأنا اعاني حتى هذه اللحظة من جهل مخجل في عدة قضايا، يقف على رأسها موضوع الاحصاء والجداول الرقمية، وهو الامر الذي دفعني قبل سنوات قلائل الى الاستعانة بصديق متقاعد كان يعمل استاذاً جامعياً متخصصاً في القضايا الاقتصادية والاحصائية... وكان الرجل كريماً معي ولم يبخل بمعلومة واعتقد ان اخلاقه الرفيعة هي التي منعته من وصفي بالكائن الغبي بعد اكتشافه انني لم استوعب كلمة من حديثه العلمي، ولهذا قال لي سأبسّطُ لك الامر كما لو كان مسألة حسابية لتلامذة الصف الرابع الابتدائي.
قال لي (لنفترض انك موظف متقاعد، تحمل شهادة جامعية، خدمتك 26 سنة، راتبك 450 الف دينار، وهناك عضو برلمان متقاعد، خريج اعدادية، خدمته 4 سنوات وراتبه التقاعدي 6 ملايين دينار) وشرب قدحاً من الماء فيما شربت5 اقداح، ثم واصل حديثه (ولكي نعمل مقارنة احصائية فلا بد من التفاصيل: حيث ان خدمتك الفعلية بالايام = 26 سنة × 290 يوماً) وسألته (لماذا تحسب ايام السنة 290 وليس 365 يوماً؟) أجابني (على عهدك كان الدوام 6 ايام في الاسبوع، ولما كانت السنة تتألف من 52 اسبوعاً (52 ×6) = 312، ونطرح من هذا الرقم 22 يوماً مجموع العطل الرسمية والاعياد (312-22)=290، وحين نضرب (290×26)=7540 يوماً مجموع ايام الدوام لخدمتك الفعلية، أما ايام دوام النائب السنوية فهي (150) يوماً بعد ان اصبح الدوام الاسبوعي 5 أيام، زيادة على الاعياد والعطل الرسمية والعطل التشريعية، وحين نضرب (150×4 سنوات) فان خدمته الفعلية هي (600) يوم فقط مقابل راتب تقاعدي يصل الى (6ملايين)، وهذا يعني بالمقارنة، إن خدمتك (تزيد) على خدمة البرلماني 13 ضعفاً، وراتبك (يقل عن راتبه 13 ضعفاً.. مفهوم؟!) أجبته: فهمت وليتني لم أفهم..