نحن والثورة المعلوماتيَّة

آراء 2020/07/22
...

د. كريم شغيدل
 

في الوقت الذي استثمرت فيه دول العالم المتقدم الثورة المعلوماتية في شتى مناحي الحياة، وميادين العلم والمعرفة والاقتصاد والتنمية البشرية وتكريس الحوار الحضاري الفعال، كانت الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط تضيق الخناق على شعوبها، لا سيما النظام المباد في العراق، لا موبايل ولا انترنت ولا صحون لاقطة، وإذا كانت بعض الأنظمة سمحت بذلك فبحدود وبرقابة مشددة، لكن اليوم لا سلطة لأي نظام على حرية الفضاء، فهل استثمرت بلداننا أو شعوبنا معطيات الثورة المعلوماتية للصالح العام؟
بعض البلدان الآسيوية، لا سيما ما سُمي بالنمور الخمسة، تفوقوا حتى على بعض بلدان الغرب في الاستثمار الاقتصادي، وراحوا ينتجون الحاسبات وأجهزة الموبايل وتصدير البرامجيات، والتعليم عن بعد، والعلاج عن بعد، والتجارة الإلكترونية، وحرصت دول العالم على توظيف تكنولوجيا المعلومات في العمل الاستخباري والمخابراتي لحماية أمنها القومي، وتسابقت في الاكتشافات السريعة وتطوير مختلف التقنيات والمنظومات، وربما آخرها ما سُمي بالجيل الخامس الذي انطلق من الصين قبيل جائحة كوفيد 19 بقليل، الأمر الذي فعَّل نظرية المؤامرة عند البعض، معتقدين أن أميركا هي التي نشرت الفيروس في الصين كنوع من العقاب الاقتصادي رداً على إطلاقها الجيل الخامس من الأجهزة النقالة.  في خضم ذلك كله، أين موقعنا - نحن العرب - أو لنقل – نحن العراقيين - مما يحصل على مستوى التطوير والإنتاج والتوظيف والاستثمار؟ ربما تكون هناك محاولات بسيطة لا ترقى لأبسط ما استثمرته دول العالم قبل عقدين من الزمان، ويقال إن العراق من أولى دول الشرق الأوسط التي امتلكت الحاسبة الإلكترونية عندما كان حجم الحاسبة بمساحة مدرسة أو بيت.  لقد تطورنا في التواصل الاجتماعي، أدب، ذكريات، مناسبات دينية واجتماعية، تعازي، مناكفات، تسقيطات، تشويهات، ابتذال، عقد نفسية تنعكس على المنشورات، أوهام تتضخم عند البعض، جيوش إلكترونية تتراشق وتتبادل التهم، وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان، وإذا ما جربنا من خلال جولة سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي العراقية أو العربية عموماً، سنجد البون شاسعاً إذا ما قورنت بغيرها من مواقع أوربية أو آسيوية، فقد نجحت غالبية دول العالم بالتأسيس لمجتمعات معرفية، في مختلف التخصصات العلمية، وأسست مشاريع كبرى، سواء على مستوى التعليم أو الثقافة والفكر، أو العلم والتكنولوجيا، حتى على المستوى الاجتماعي، ثمة فرق بنيوي في أسس الحوار ومتبنياته الأخلاقية والفكرية. ترى أين يكمن الخلل؟ هل ثمة مؤامرة لترويج الثقافات الاستهلاكية لإشغال شعوب المنطقة؟ هل يراد لشعوبنا أن تبقى أسيرة غرائزها وانفعالاتها لتكريس الكراهية والعنف والفرقة والتشرذم؟ إذا كانت الحكومات متخلفة أو فاشلة أو غير قادرة على استثمار ما يمكن استثماره لصالح بناء الدولة والإنسان، فما بالنا نختزل هذا الفضاء المفتوح إلى مجرد منابر للتنابز واستظهار الأحقاد والنيل من الآخرين، أو مجرد لهو وتزجية وقت لتبادل التحيات والإعجابات والمجاملات، أو مصايد للمغفلين والمغفلات؟.