مالك مسلماوي
تعدُّ القضية الاقتصادية وحسن إدارتها على رأس القضايا التي تؤثر بشكل مباشر في حركة المجتمع وتوازناته، كونها المفتاح الرئيس لحل معظم القضايا التي تواجه المجتمع.. ولقد أخفقت الحكومات السابقة في معالجة الوضع الاقتصادي وفي التصدي لظواهر قاتلة منها ارتفاع مناسيب الفقر وتفاقم البطالة وتردي الأوضاع العامة.
والنظام الاقتصادي المدروس والمبني على تخطيط سليم ونيات صادقة في خدمة المجتمع، وتوفر عنصر الكفاءة والنزاهة كفيل بالوصول الى الأهداف المطلوبة في استتباب الأمن الغذائي والصحي والمجتمعي، مما يسهم في استقرار الفرد والمجتمع واستئصال بؤر الفساد.
لقد شرعت الحكومة العراقية الجديدة بوضع خطة تكتسب أهمية بالغة في إعادة توزيع الثروة بما يحقق العدالة الاجتماعية ونيل رضا المواطن في تمكينه من الحصول على الحياة الكريمة، بمواجهة الأزمات الحادة في انخفاض أسعار النفط، والارتباك الحاصل من جراء تفشي وباء (كورونا).. وتلبية للاعتراضات الشعبية على الفوارق الكبيرة في رواتب العاملين في الخدمة الوظيفية وغيرها، الذي أدى الى تمكن فئات محددة من حيازة الأموال الطائلة على حساب الفئات الأوسع من أبناء الشعب المهددين دوما بالفاقة وشظف العيش..
وقد لاقى عزم الحكومة هذا تأييدا شعبيا عاما، لكن مسألة تطبيق ما أعلن في وسائل الإعلام يبقى موضع شك في قدرة الحكومة على تنفيذ ذلك على الوجه الأكمل؛ لأن الإجراءات تمس مصالح الكثير من المستفيدين المتربعين على هرم السلطة وجمهورهم المدعومين من الاحزاب الحاكمة التي أوكلت إليها إدارة الدولة منذ سقوط النظام السابق في 2003..
لقد حرص المتمسكون بدفة السلطة على رفع مستويات معيشتهم ومن في معيتهم الى حدود فاحشة بتشريع القوانين التي تحدد امتيازاتهم المالية وبلوغ رواتبهم الى مستويات تجاوزت الحدود المعقولة، الأمر الذي أدى الى وجود تمايز طبقي صارخ وبرزت على السطح معادلة مريبة في علاقة المال بالسلطة ذلك ما أدى الى تنازع حاد من أجل الوصول الى الاثنين معا، لأن المال والسلطة يؤدي أحدهما الى الآخر، فالسلطة تؤدي الى المال والمال يؤدي الى السلطة.. هذا ما يفصح عنه الواقع الملتبس مع زيف الخطاب الذي يؤكد مبادئ العدل والمساواة على خلفية الايمان والعمل بما يرضي الله والضمير. وكانت من نتائج هذه المفارقة بين القول والفعل أن اتسعت الهوة بين عامة الشعب من جهة والطبقة الحاكمة من جهة ثانية. وهو من بين الأسباب التي أشعلت فتيل ثورة تشرين 2019.
الآن يترقب العراقيون ما ستسفر عنه خطط حكومة السيد الكاظمي من إجراءات على أرض الواقع في معالجة هذه المشكلة بتخفيض الرواتب العالية، وإبعاد اليد الفاسدة عن موارد الدولة ومنها إحكام السيطرة على المنافذ الحدودية وتوفير الاموال الكافية لمعالجة الأزمة المالية الحادة، وتحسين قدرة الحكومة على سد النفقات الضرورية وتأمين الرواتب ومعالجة العجز الحاد في ميزانية الدولة.. والأمل معقود على الحكومة رئاسةً وفريقَ عمل من التشكيلة الوزارية الجديدة.. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل بمقدور الحكومة الجديدة مناطحة رؤوس الفساد التي رسخت وجودها عبر زمن طويل وأحكمت هيمنتها على كل مفاصل الدولة؟!