رزاق عداي
ما الذي تبقى من نظرية الفوضى الخلاقة؟، التي رُوج لها كثيرا تزامنا مع تفاقم ظاهرة الارهاب عالميا، فكانت هذه الآلية التي أريد لها أن تشكل المواجهة الفكرية المضادة، بما للارهاب من عقيدة مستلهمة من موروث قديم،..
فالمنهج الاميركي يرى أن هناك حاضنة ومناخا وأدوات قديمة، مستخدمة في البلدان الاسلامية تستقبل الارهاب بسهولة، منها المناهج المدرسية، ووسائل الثقافة ومؤسساتها، ناهيك عن واقع التخلف الاقتصادي والتقني اللذين يمثلان عناصر جذب لهذه الأفكار المتطرفة، ولذا فإن الرؤية الاميركية التي بدت متبلورة في مشروع (الفوضى الخلاقة) ذي البعد الستراتيجي، وهو ما يمثل البرامج الايديولوجية المقاومة للتكفير، فالقضاء على الارهاب المنتج حصرا، من صميم السلفية الاسلامية (حسب الفوضى الخلاقة) يحتاج الى عقود طويلة من السنين، وبعمل دؤوب على مستوى الخطاب والواقع، وربما يحق لنا أن نعتقد أن مخرجات هذا البرنامج هو مسلسل (الربيع العربي) الفاجع بتطوراته الدرامية ذات اللون الرمادي، فبعد سنوات من فعاليات هذا الخطاب ووقائعه الماْساوية (اذا ما أهملنا الأصابع الأجنبية)، سوف يبدو لنا أنه من ارهاصات جديدة لتطلعات شباب تفتحت عيونهم بعيدا عن الايديولوجيات، فهذه الأجيال طفح بها الكيل وبدت مستاءة ونابذة لأنظمة تهرأْت، وباتت غير ملائمة لمنطق العصر (ايديولوجيا وتقنياَ)، وبتحصيل حاصل، لمعايير احتساب النتائج نجد أن غضب وتضحيات وإنجازات هؤلاء الشباب، قد جيرت لصالح تيارات دينية سلفية أشد سوءاَ من الأنظمة القديمة، وبتمعن بسيط في خارطة التغيير نلحظ أن النتائج هي بخلاف الآمال تماما، التي زعمتها برامج (الفوضى الخلاقة)، فلم نلمس بشائرا، إنما زيادة في رقعة التكفير، وتكاد تكون الآن أكثر عرضة لضربات إرهابية او تحت هيمنتها، وتدهورت دول قوية وباتت على حافة الفشل، بعد أن كانت توصف بكونها دولا ناهضة، واذا كانت قد استشاطت غضبا، وانتجت موديلات ستراتيجية ايديولوجية تحت تأْثير طلبان والقاعدة (مع أنهما من منتجات الماكنة الفكرية الاميركية)، عند لحظة تحتمها البراغماتية السياسية المجردة من الاخلاق، استمر الهاجس الاميركي المولع بالستراتيجيات ممزوجا بمرارة خيبة آماله، فالوباء التكفيري انتشر في مساحات جغرافية واسعة في الشرق الأوسط خصوصا، ولم يكتفِ بضرب المصالح الأميركية في أي مكان بل حتى في عقر دارها، كما حصل في أيلول 2001 في عملية ضرب مركز التجارة العالمي، إنما تفاقم الأمر الى حد وصلت دولة (الإرهاب) الى عمق جغرافي يماثل المساحة الجغرافية لبريطانيا !!!، يسمى (داعش)، ليس هذا فحسب إنما فصائل في مصر وليبيا، مع توغل بالعمق الافريقي، فالفوضى الخلاقة التي كانت تنوي مكافحة ارهاب ومنظمات في الكهوف وتحت الأرض، أصبحت قبالة دولة.
اذا كان خطاب الفوضى الخلاقة قد لقي بعض الاستجابة والصدى في بعض الشرائح في بلدان العالم الاسلامي، فماذا نسمي العنف الذي بات يتمدد داخل الجسم الإسلامي ذاته وداخل المنظومة ذاتها وفق بؤر عديدة، جميعها تدعي الجهاد؟، وكلها تدعي الحقيقة، وتتقاطع مع الآخر في صراع دموي عبر موجات وحشية لم يشهدها التاريخ من قبل، مثلما يحصل في ليبيا اليوم. وما معنى مقولة المستشرق الاميركي (برنارد لويس) والمهتم بشؤون العالم الاسلامي قبيل وفاته في 2014، والذي يعد المبتدع الاول لفكرة الفوضى الخلاقة والناصح لمراكز القرار الاميركي لاتباعها، بأن العالم الاسلامي منكفئ على نفسه في صراع داخلي، ونجد صدى لهذه المقولة في إحدى الصحف الاسرائيلية، وبمنطق لا يخلو من التشفي والسخرية بأن هذا العالم يمر الآن بـ (مجزرة ذاتية)، عندما طرحت (كونداليزا رايز) فكرة الفوضى الخلاقة، كانت حينها وزيرة للخارجية الاميركية، بعد مرور أكثر من عام على الاحتلال الاميركي للعراق، نظر الكثيرون كونها مزحة، لكن الواقع مضى، ومع مضي الوقت أثبتت أنها حقيقة، وان كان للوهلة الاولى، ما كان أحد يصدقها يوما، فلأنها جزء من الخيال السياسي الجديد لم يكن العالم قد اعتاد عليه. كان العراق يبدو هو الأنموذج الذي طبقت نظرية (الفوضى الخلاقة) عليه، واثبتت نجاحها، لقد صار ذلك البلد عبارة عن متاهة لا يملك أحد خارطة الخروج منها. الفاسدون أغرتهم أمواله الكثيرة، والفقراء صاروا يفكرون بأمر اخر المعبد، فبعد ان تم تدويل الازمات التي تعاني منها المجتمعات العربية، صار كل شيء مقبوضا عليه من قبل قوى خفية، فإن انتظار الحل هو أشبه بمطاردة أشباح في غرفة مظلمة، دعونا ننتظر، ربما ستكون النتائج التي افرزتها التظاهرات هي الطريق الطويلة والشائكة في اتجاه الخروج من متاهة (الفوضى
الخلاقة).