محمد جبير
يستعد العالم إلى تخفيف إجراءات الحظر الوقائي، والعودة إلى بعض جوانب الحياة الطبيعية مع الالتزام بإجراءات الوقاية المشدّدة، ومنها إلزامية ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، وهذه الخطوات تأتي بغية إنعاش الاقتصاد العالمي الذي شهد ركودا عامّاً وأدّى إلى خسائر فادحة، وهو أمر قد لا ترضى استمراره اقتصاديات الدول الكبرى
"السبعة أو العشرين"، وكانت أوّل بوادر هذا الانتعاش في عودة سلّم مبيعات النفط في الارتفاع إلى ما فوق الأربعين دولارا للبرميل الواحد، وجاء هذا الارتفاع بسبب تخفيض الإنتاج في دول الاوبك، وعلى الرغم من الخلاف الروسي-السعودي بشأن تخفيض الانتاج،
حتى أنّ التوقعات المتفائلة في سوق النفط العالمية تشير إلى ارتفاع سعر برميل النفط إلى "150" دولارا نهاية العام الحالي ومطلع العام الجديد، إلّا أنّ كلّ ذلك لن يخفّف من أصل المشكلة التي بدأت في إطار وبائي لترتفع إلى حرب اقتصادية، أوّلها لفظي، وآخرها عقوباتي، ولم تقتصر على القطبين الأميركي والصيني، وإنّما توسّعت لتدخل فيها دول أوربية أخرى، لاسيما في منع "هواوي" في استثمار الجيل الخامس في لندن، وهو القرار الذي يسبق زيارة ترامب إلى لندن كأنه بطاقة تضامن بريطاني أميركي في الموقف من الصين.
في المقابل، هناك الموقف من الطرف الآخر الذي أخذ يشدّ كلّ الحبال المتراخية ويرخي الحبال المشدودة في العلاقات الدولية للجانب، إذ أخذت الصين نهجاً بعيداً عن التشنج في ردّ الاتّهامات الأميركية، لاسيّما بعد أن أوقفت أميركا دعمها لمنظمة الصحة العالمية وأخبرت الكونغرس بهذا القرار، فإذا كان الصراع الوبائي في جوهره صراعاً اقتصاديا، فإنّ تلك الدول ذهبت في معالجة الأزمة إلى التحالفات الكبرى لإدارة الأزمات الناتجة، سواء الأزمات الاقتصادية أو أزمات النفوذ والاستحواذ والهيمنة على مصادر الطاقة في العالم.
فإذا كانت أميركا قد ذهبت إلى بريطانيا الخارجة توّا من الاتّحاد الأوربي، فإنّ الاتّحاد الأوربي دعا إلى قمة جديدة للعشرين لدراسة تداعيات الجائحة الوبائية وما تسبّبت به من أضرار للدول الفقيرة الأكثر تضرراً، لذلك تسعى إلى إنشاء "صندوق التعافي الدولي" لمساعدة تلك الدول، وقدّمت ألمانيا "3" مليارات يورو مساهمة أولية لدعم هذا الصندوق، فيما ذهبت الصين إلى العودة للتحالف مع الحليف الايديولوجي القديم روسيا في مواجهة التحالف الأميركي الذي لايتوانى في إعلان عدائه للصين، وفي المقابل ذهبت الصين في تحالفات جديدة استفزت الجانب الأميركي ألا هو التحالف الاقتصادي مع إيران التي تعاني من العقوبات الاقتصادية الأميركية، وفي المقابل ذهبت إيران بعيدا في تحدّيها للعقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وأرسلت خمس ناقلات نفط في موقف تضامني معها نكاية بالموقف الأميركي.
لكن هل نحن في منأى عن حرائق أو نار هذه التحالفات التي يبدو ظاهرها اقتصادياً، وباطنها يحمل أهدافاً كبرى وبعيدة مدركة آنياً، كأهداف قريبة، ومستقبلياً كأهداف بعيدة، تبدأ من إنهاك اقتصاديات الدول الأحادية الريع التي تعتمد على صادرات النفط، والتي تعدّ دولاً متمردة أو مارقة وغير خاضعة لسياسات الدول الكبرى، لذلك لا بدّ من استنزاف طاقات تلك الدول بالفتن الداخلية والصراعات الخارجية.
ولا يمكن للعراق أن يكون في منأى عن الصراع الدولي، وإنّما كان ولايزال في قلب هذا الصراع إن لم يكن نقطة الارتكاز والتوازن فيه، ومن هنا لا بدّ من إدراك أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في خضمّ التحالفات والتضادّات والمحاور المتقاطعة في أن "يكون أو لايكون"، وهذا هو السؤال الصعب الذي يواجه الحكومة السابعة التي لم تتجاوز شهرها الثالث بعد، وتصاعدت الأزمات الداخلية والخارجية وأخذت ألغامها تتفجر هنا وهناك، بدأت بحرب الكاتيوشا والتغلغل التركي وسيطرة حزب العمال الكردستاني على مناطق عراقية وأزمة الخدمات لاسيّما الكهرباء والمنافذ الحدودية، وإذا كانت تلك الأزمات متراكمة وليست مسؤولية الحكومة السابعة فإنّ هذه الحكومة ساعية في حلّ الأزمات، إلا أنّ المشهد السياسي العام، وإن كان يبدو ظاهريا داعما لخطى الإصلاح، في بعض المواقف والتصريحات نرى أنّ هناك من يمسك العصا من الوسط، وهناك من يلعب دور القوة العميقة التي تهيمن على مفاصل الدولة، ولذلك تجدّدت التحالفات من النخب السياسية ذاتها في مسميات جديدة، فيما شكّلت أطراف أخرى تحالفات جديدة عابرة للطوائف، وكلٌّ من هذه التحالفات تدعي وصلاً بليلى وهي تريد إعاقتها، ولكن هل نبقى في دائرة التحالفات والتحالفات المضادة؟ وهل يبقى تغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن؟ ومتى نفكّر جميعا في تقدّم البلاد
وازدهارها؟