حدود الأوطان !

الرياضة 2020/07/26
...

محمد صالح صدقيان 
 

كان يسألني عن حدود إيران في منطقة الشرق الأوسط ؟ قلت: وماذا عن حدود تركيا؟ وأضفت: وما هي حدود "اسرائيل"؟ حديث طويل فيه نوع من التهكم، وبعض العتب، وكثير من الحسرة علی ما وصلت اليه دول المنطقة التي تبحث فيها عن حدود، جمعني مع مسؤول كبير في وزارة خارجية دولة عربية! .
المسؤول العربي الصديق كان متضايقاً جداً من الدور الذي تلعبه ايران في المنطقة والذي " نزع سلاح محبيها من الدفاع عنها" ، في الوقت الذي لم يخف انزجاره وانزعاجه من الدور التركي المتعاظم في منطقة الشرق الاوسط، والذي امتد الی شمال افريقيا، ليلعب في المجال الحيوي العربي. 
سألته عن تصوره بشأن حدود "اسرائيل" سواء النظرية منها او العملية، خصوصاً في ظل التقارب الحاصل مع بعض الدول العربية؟ فقال : يجب ألا يزايد علينا أحد في مجال دعم القضية الفلسطينية، لأن الدول العربية أعطت الكثير من المال والسياسة والجهود، وخاضت الحروب خلال العقود السبعة الماضية من اجل التصدي للمشروع "الاسرائيلي" . قلت: وماذا الان ؟ قال: لقد اختلط الحابل بالنابل فأصبحنا نلوذ بهذا ونتوسل بذاك من اجل اطفاء نار هذا البلد وتصحيح مسار بلد آخر. وأينما ذهبنا لا نرى الا اليد الايرانية هنا والتركية هناك و"الاسرائيلية" تتحرك في ما بيننا، انحسار في السياسة، وتراجع في الفعل السياسي حتی صرنا كالبقرة الحلوب ننفق عسی ان يأتي الوقت المناسب للنهوض، لكن – والكلام مازال لصديقنا – ان اصدقاءنا في ايران وتركيا كانوا اكثر ذكاء لأنهم استغلوا اوضاعنا العربية ليصطادوا في المياه العكرة والرمال المتحركة، خدمة لمصالحهم القومية والوطنية والاقليمية وحتی الدولية، وفي أحيان كثيرة على حساب مصالحنا في الدول العربية . 
صديقي كان يفكر بصوت مرتفع، مع ترقب لسماع وجهة نظري وما احمله من معلومات، كنت واضحاً معه عندما شرحت له تطورات الظروف ومآلات المستقبل، إن علی صعيد النظام الاقليمي او علی الصعيد الدولي . لقد خلقت ظروف تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار الحرب الباردة عام 1991 ، واقعاً جديداً في الشرق الأوسط، اسهم في سقوط النظام العراقي عام 2003 ونشوب ثورات " الربيع العربي" وتهاوي الانظمة الدكتاتورية الواحد بعد الاخر، حيث ما زالت  تداعيات هذه الحالة ماثلة امام الجميع والذي تدفع العديد من الانظمة السياسية فاتورة استحقاقات هذه المرحلة بعد سقوط النظام الامني الذي كان يسود المنطقة ابّان الحرب الباردة .
لقد خلقت ظروف العولمة وما بعد العولمة واقعا جديدا يحتاج الى اعادة صياغة مصطلحات " المصالح الوطنية" و " الامن القومي" ؛ إذ إن بقاء الدول العربية على الادبيات السياسية القديمة لن يجعلها في مأمن من مخاطر المستقبل ، كما ان القفز على المشكلات الرئيسة التي تواجه " الأمن العربي " لن يحل المشكلة ، بمعنى آخر ان التطبيع او اقامة العلاقة مع "اسرائيل" لن يعززا حالة " الامن العربي"، لأن الدول العربية يجب ان تقتنع بأن قيام "اسرائيل" عام 1947 كان منسجما مع الحرب الباردة ، وانها كانت آلية من آليات هذه الحرب التي كانت قائمة آنذاك، وان قوة "اسرائيل" لم تكن كما كانت في تلك الحقبة، صحيح ان اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ما زال يضغط من اجل دعم "اسرائيل" .. لكن الصحيح ايضا ان "اسرائيل" لم تعد كما كانت في السابق ، والكل شاهد على آلية تعاطي الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما مع رئيس الحكومة «الاسرائيلية» نتن ياهو ، حتى عندما اراد التوصل للاتفاق النووي مع ايران لم يرضخ للضغوط التي مارستها «اسرائيل» لإلغاء الاتفاق . 
تبقى ايران وتركيا اللتان يصفهما البعض امتلاكهما لطموحات جيوسياسية في المنطقة . فبعض الدول العربية ذهبت في الطريق الصعب عندما أيقنت أن التحالف مع "اسرائيل" يخلق حالة من التوازن الامني في المنطقة، وبذلك حاولت استبدال التقرب من هذه الدول والتوصل معها لترتيبات امنية اقتصادية سياسية ، بالتقرب من "اسرائيل ". 
ان التوصل لتصورات مشتركة مع ايران وتركيا ، وإن كان صعباً، هو افضل بكثير من الجلوس في الحضن "الاسرائيلي" الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع .