الاختطاف .. جريمة دنيئة

آراء 2020/07/27
...

زهير كاظم عبود 
 
جريمة الاختطاف من الجرائم التي تلجأ لها عصابات الحصول على المال والنفوس المريضة ، وتترك تلك الجرائم انعكاسا سلبيا ورهبة في حياة الناس، خصوصا إذا كانت العناصر التي تمارس الاختطاف تطالب أهل المجني عليه ( المختطف ) بفدية من المال قد لا تتحملها العائلة ، وقد تنهكها حجم المبالغ التي تطلبها، بالرغم من عدم وجود ضمانات لعودة المختطف حيا، وتلجأ بعض العصابات أو المجموعات إلى هذا الأسلوب حين تجد ان الرادع والقانون قلق أو ضعيف التطبيق في البلد، وحين لا تجد جدية أو إجراءات عملية لمتابعة المختطفين وملاحقة الخاطفين ، ومن ثم تقديمهم للعقاب من خلال محاكمات علنية وشفافة لغرض بث الطمأنينة والاستقرار في حياة المجتمع . 
وشهدت العاصمة بغداد وبعض المحافظات عددا من حالات الاختطاف التي تعرض لها مواطنون مدنيون، ولضعف المتابعة والاعتماد على لجان روتينية لم نلمس النتائج المرجوة لعودة المختطفين إلى أهاليهم ، ولا إحالة المتهمين على التحقيقات القضائية تمهيدا لإحالتهم على المحاكمة، وبقيت تلك الحالات قيد التحقيق والمتابعة رغم مضي مدد زمنية ليست بالقصيرة .  
الأسبوع الماضي شهدت بغداد عملية لاختطاف ناشطة مدنية السيدة هيلا مويس  ( ألمانية الجنسية) ،  التي تعمل مديرة القسم الثقافي في معهد غوتا الألماني في العراق من قبل مجموعة مسلحة  وسط أهم شوارع العاصمة وفي وضح النهار وأمام المواطنين  وأمام عدسات الكاميرات التي سجلت عملية الاختطاف، ويشكل الفيلم الذي سجلته كاميرات المراقبة وضوحا لأشكال السيارات  وأنواعها وأرقامها  واحدة منها بيكب ووضوح أشكال الخاطفين  وأنواع الأسلحة التي يحملونها،  وتم التعرض للسيدة المذكورة وهي تقود دراجتها الهوائية للتنقل في شارع أبو نواس باتجاه منطقة الكرادة حيث تقيم وسط العاصمة، ما سهل عملية البحث والتوصل  والعثور على الفاعلين  في فترة سريعة وقصيرة، ومهما كانت دوافع الجهة التي اختطفت السيدة المذكورة ، فان الفعل وأن كان يشكل ظاهرة إجرامية حددتها المادة ( 421 )  من قانون العقوبات وتم تعديل سقف  العقوبة فيها من السجن مدة خمس عشرة سنة  لتصل الى الإعدام وفق الأمر رقم 3 لسنة 2004 بتاريخ 2004/8/8 ، غير أن هذه الجريمة تشكل ظاهرة مدانة حين يكون التعرض الى سيدة مدنية أولا وأجنبية تحل ضيفة على العراق ثانيا ، وتقدم خدماتها الثقافية والإنسانية ثالثا ، و الجريمة بحد ذاتها مرفوضة من المجتمع العراقي  لأنها ليست من شيم وأعراف العراقيين 
رابعا . 
كما ان ظاهرة الاختطاف بحد ذاتها  من أي جهة كانت تترك الرعب والخوف والخشية في نفوس الناس، وتعكس حالة من الريبة والتشكيك بقدرات الحكومة في الحفاظ على حريات وحياة الناس ، لأنها إضافة الى كونها من الجرائم التي تمس بحرية الإنسان وحرمته فإنها تشكل تحديا للحكومة وللجهاز الأمني ، وتحديا لمشاعر المجتمع العراقي وأعرافه الإنسانية ،  وتؤثر في السمعة الدولية للعراق، كما تقوض جهود الحكومة في جلب الاستثمار وإعادة بناء البنى التحتية وترميم الاقتصاد وإقناع الشركات العالمية للعمل في العراق، وتؤشر للرأي العام بأن هناك مجموعات خارجة على القانون تمارس الأعمال الإرهابية . 
أن الإسراع بعملية التحقيق من قبل المختصين وبالتعاون مع قضاة التحقيق والتعجيل باتخاذ الإجراءات القانونية للتوصل الى الجناة،  وتكثيف الجهود الاستخبارية مع الحرص الأكيد والمحافظة على حياة المختطف، والقبض على الفاعلين يكشف رسالة مهمة لردع هذه العناصر ، كما أن هذا الأجراء يعزز من ثقة الناس بالأجهزة الأمنية وبقدرة الحكومة على مواجهة الخارجين على القانون .  
ولعل هذا الحادث يعيد لنا مطالبتنا المستمرة بحصر السلاح بيد الدولة، مع حظر فعلي وفاعل لكل مجموعة مسلحة خارج إطار القوات المسلحة ، وأن نبتعد قدر الامكان من نشر الشائعات والمعلومات التي قد تضر بسير العملية التحقيقية وبالمجني عليها وهي مقيدة تحت رحمة الخاطفين .  جريمة اختطاف الأجانب في العراق تشكل هاجسا يمنع الأشخاص الذين نحتاجهم في عملية البناء ، وتبث في روعهم الخوف والخشية ، كما انها تسيء الى سمعتنا بين الدول ونحن نتخلص من اعتى التجمعات الإرهابية دوليا ، كما ان الاختطاف يشكل إساءة بالغة ومتعمدة  ومدانة 
للعراق .  اليوم يكون المواطن العراقي بحاجة ماسة لأن تجعله أجهزة الدولة الأمنية يشعر بالأمان والطمأنينة ، وان يؤمن بحق انه يعيش في دولة يحكمها القانون والدستور ، وأن لا سلطة فوق سلطة القانون ، وأن أجهزتنا الأمنية والتحقيقية المختصة قادرة أن تحرر المختطفة وتفصح عن هوية الخاطفين مهما كانت الجهة التي تقف خلفهم ، وأن مثل هذه الأفعال الدنيئة لن تثني الحكومة من المضي قدما من أجل بسط سلطة القانون، بعد تأريخ مليء بالمصاعب والمصائب  والانفلات، مجتمعنا العراقي تواق للحرية وللسلام والدولة التي يحكمها القانون.