لماذا نكتب؟

آراء 2020/07/29
...

د. كريم شغيدل
 

سؤال أزلي لا تحدُّه إجابة، فالكتابة أنماط، وأهدافها لا تعد ولا تحصى، فقد يجيب عنه الشعراء والمفكرون والفلاسفة والنقاد والقصاصون والروائيون والنقاد والإعلاميون إجابات متفرقة مختلفة ومتناقضة، كلٌّ له رأيه، فمنذ اكتشاف الكتابة بمختلف أنماطها وأدوارها وأطوارها والمعنيون يتساءلون: لماذا نكتب؟ ولمن؟ وما الفائدة؟ ما الدافع؟ ما العلة؟، وهنا أريد أن أسأل نفسي شخصياً، بصرف النظر عن الكتابات الأدبية أو الثقافية منذ منتصف الثمانينيات حتى اليوم، أسأل تحديداً عن هذا العمود الذي أكتبه منذ ما يقرب(13) عاماً، في المكان نفسه، في التوقيت ذاته، وقد خضت بمختلف الموضوعات في الشأن العراقي، أسأل: ما جدوى كتاباتنا؟، قد يقول قائل: نكتب كلمتنا للتاريخ ونمضي، ربما هناك قرّاء نسهم بتوعيتهم أو تنبيههم أو نسهم بتسليتهم، لكن ما نفع ذلك بلا مردود؟.
 إنَّ أحد أهم أدوار الإعلام أن يسهم بترشيد القرار الحكومي، وصناعة رأي عام، لكن يا ترى كم من سياسيينا يجدون الوقت الكافي لقراءة مقالاتنا؟، ما لم نقل إنَّ البعض يتندر على ما نكتبه من انتقادات، والبعض الآخر لا يقرأ سوى الصفحتين الأولى والأخيرة من الصحيفة، أو يكتفي بقراءة بما يخصه مما ينشر، فضلاً عن أنَّ المطبوع الورقي بات مهملاً بسبب طغيان وسائل الإعلام المرئية ومواقع التواصل، فلمن نكتب؟.
 لا أدري ما عمل المكاتب الإعلامية في مؤسسات الدولة؟ فنادراً ما نجد من يتصل بالكاتب ليستفهم منه أو يوضح له أو يشكره على ما شخّصه أو اقترحه، بعض المؤسسات تكتفي بعمل أرشيف إعلامي لحفظ ما ينشر عن المؤسسة، وربما هناك من يقدم للمسؤول ما ينشر، لكن الأغلبية الساحقة تراعي مشاعر المسؤول وتتملّقه وتخفي عنه الحقائق، إذ يرون في النقد انتقاصاً يمس كرامته، وما يزال المسؤول يعد نفسه محصّناً وفوق الشبهات، ويبدو أنَّ الفساد والمحسوبية وتغليب المصالح الشخصية على المصالح العامة أصبحت أعرافاً اجتماعية، مثلما كانت اللصوصية عرفاً للشجاعة في المجتمعات الريفية، وليست شبهات أخلاقية مخلة بالشرف المهني.
 غالباً ما نواجه من قبل القراء أو المواطنين أو الأصدقاء والمعارف بسؤال محرج: لماذا لا تكتبون؟، والجواب عادة: والله كتبنا وما نزال نكتب، لكن من يقرأ؟ من ينصت إلينا؟ ونحن لا نملك سوى سلطة الكلمة وهي أضعف سلطة يمكن إخراسها بتهديد ولا نقول بكاتم، لطالما كتبنا عن الفساد والطائفية وتبديد ثروة البلد وطاقاته وسيادته، وعن القوانين واختراقها والإرهاب والعنف بمختلف أنماطهما، واقترحنا، وانتقدنا، وحذرنا، لكن للأسف الشديد ليس هناك من يسمع، ليس هناك من يؤمن بأنَّنا لا غاية لنا سوى النهوض بالمستوى الحضاري للبلد وسعادة الإنسان ووحدة الوطن وترسيخ التسامح ونبذ العنف وغير ذلك، وإذا كان للبعض غايات أخرى بسبب ارتباطات حزبية أو علاقات مشبوهة، فأنا أتحدث عن الأغلبية التي لا تجد لصوتها آذاناً صاغية.