لن تنحني شجرة الأرز

آراء 2020/08/07
...

أمجد ياسين
 
حدث مفجع اهتز له ضمير العالم أجمع، هي بيروت الغالية على قلوب العرب تهتز أرضها وتشتعل سماؤها لهبا وعصفا يدمر نصف المدينة. من المسؤول؟ لماذا حدث ما حدث؟ من المستفيد؟ هل هو فعل مدبر أم حادث عرضي؟ أسئلة حيرى في جعبة من يتصدى للمسؤولية هناك. 
ما إن لفظ الانفجار أنفاسه المدمرة الأخيرة مخلفا كارثة انسانية مؤلمة، حتى استعجلت الاتصال بزملاء لي في لبنان للاطمئنان عن حالهم وأسرهم، فالصور تبكي قبل الوجوه، والجروح وشمت الكثير من أهلنا في بيروت وأطرافها، جاءت رسائلهم قصيرة حادة كشفرات الزجاج التي غطت شوارع بيروت (الحمد لله كلنا بخير) أما ما تهدم وتضرر فلا حديث عنه. استوقفتني بعض ردودهم التي قارنت بين ما حدث عندكم وماجرى عندنا، وان وجعنا واحد، ومصيرنا مشترك، وبأننا (العراقيين) نعرف أكثر من غيرنا وجع المآساة التي حدثت، فقد عشتوا التفجيرات يا أمجد.. والحمد لله على سلامة الجميع.  يبدو أن العراق ولبنان أشبه بكفي ميزان المنطقة العربية، كلما ثقلت كفة استشعرت بها الأخرى، وكأننا نتبادل المحن من تفجيرات وسوء خدمات ونقص السيولة المالية وأزمة الكهرباء وتضرر القطاع الخدمي والاجتماعي.
وهذا التشابه في المصائب والمحن والتركيبة السكانية المتنوعة الأديان والطوائف والقوميات والاعتزاز بالنفس وبمرجعياتنا الإنسانية والحضارية، جعلنا نستشعر الألم اذا ما حل بأحدنا، هذا الكلام ليس إنشاءً او رثاءً، هو وجع حقيقي لما حدث في الخامس من آب 2020 في مرفأ بيروت، وحجم الكارثة التي حلت بالمواطنين وبالمدينة التي يرتفع عدد ضحاياها مع كل عاجل. خيراً فعل العراق بالاستجابة السريعة في إرسال طائرة مساعدات ووفد طبي متخصص لمساعدة الطواقم الطبية اللبنانية، وخيراً فعل في تزويد الأهل في لبنان بالوقود لحل أزمة الكهرباء لديهم، كل هذه الأمور واجب إنساني على العراق يعكس المنهج الجديد لحكومة تدفع بقوة الى إرجاع هيبة العراق داخليا وخارجيا عبر الانفتاح على محيطها العربي والأجنبي.
ماذا نفهم من مآساة لبنان؟ وحديث الشارع العراقي الآن يدور بشأن أهمية إبعاد مخازن الأسلحة من وسط وأطراف المدن وخزنها في أماكن مخصصة لها، فبغداد شهدت قبل أيام عدة حادثا مشابها، ذات الأسئلة الحيرى دارت حوله، بعد أن انفجرت أكداس عتاد في معسكر الصقور للمرة الثانية، الاولى بفعل قصف جوي معادي والثانية بسبب سوء التخرين كما قيل.  إن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأغلى على مستوى العالم، لأنه طاقة لا تنضب، ومركز جذب يفتح آفاق التطور والتقدم، أشبه بعملة ذهبية لها قيمتها في كل مكان وزمان، وإنساننا العراقي وبالرغم من كل المصائب التي واجهها ثروة وطنية حقيقية، تتنوع مهاراتها بتنوع تحصيلها العلمي والعملي، مهمة الحكومة في تحصينه وإبعاده عن كل أنواع الأخطار المحدقة به، لأنه عملة نادرة في زمن بيع الأوطان والمواقف والهويات. مرة أخرى سلاما لشجرة الأرز التي لن تحني، ستنهض بيروت من جديد كما تفعل بغداد، وستخرس كل الأصوات النشاز التي تريد تحويلها الى كانتونات طائفية ومذهبية وقومية وتصادر صوتها وقرارها وقيمتها الإنسانية في العالم.