سياسة خارجيَّة فاعلة ومسؤوليَّة أخلاقيَّة شعبيَّة

آراء 2020/08/07
...

محمد عدنان محمود
 

منذ أنْ أُعلن عن فاجعة مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الماضي وما سببته من كوارث بشرية ومادية في هذه العاصمة الجميلة، سارع العراق بحكومته وشعبه في التضامن الفاعل مع الجمهورية اللبنانية، من خلال الاتصالات الرسمية المباشرة للمسؤولين العراقيين على أعلى المستويات في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ومجلس النواب فضلا عن وزير الخارجية، للوقوف الى جانب الحكومة والشعب اللبناني انطلاقا من الحرص الأخلاقي والقيمي والوطني والعروبي وهو ليس بغريب عن بغداد، وتستحقه بيروت وأكثر من دون أدنى شك. وفي هذا الانتصار العراقي للبنان رسالة كبيرة في مضامينها، فكما هو معروف أن الدول والشعوب المنهكة من الحروب والإرهاب وتعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية قد لا يُنتظر منها أن تقدم دعماً مادياً لشعوب أخرى تعاني من ذات المشكلات، وسيكون الموقف المتضامن معنوياً هو بحد ذاته موقفاً مميزاً ومشرفاً وهذا الذي كان منتظراً من العراق وأهله، ولكن الذي ليس بالغريب عن الدولة العراقية التي تثبت يوماً بعد آخر أنها حضارة عريقة تنطلق من قوة وإرادة حقيقيتين في اتخاذ القرار. 
فلم يكن التضامن المعنوي هو الوحيد الذي اتخذه العراق وإنما سعى الى تواصل مباشر وسريع ابتدأته الحكومة العراقية بارسال طائرة مساعدات طبية مع فريق من الاطباء الجراحين، لمساعدة إخوانهم اللبنانيين، ولعلها كانت أولى الطائرات التي هبطت في مطار بيروت ووصلت بصورة عاجلة قياساً بتحركات دول العالم الأخرى على اختلاف أوضاعها الاقتصادية والمادية الأفضل بكثير من العراق. ولم تكتفِ الحكومة العراقية بذلك بل أعلنت وسائل الإعلام عن تسيير قافلات النفط تجاه لبنان.
إن التاريخ بالفعل سيُسجل كيف تنبري الحكومات لنصرة نظيراتها وسيكون العراق في أول سجلات هذا التاريخ بمواقفه المبدئية المتوازنة وسياستها الخارجية التي تنطلق من حرص على إقامة أفضل العلاقات مع دول العالم ولاسيما العربية منها مهما كانت الظروف التي يمر بها العراق.
فدولة مثل العراق بحكم علاقاتها المتعددة وارتباطاتها مع مختلف دول العالم سعت الى التوزان في تعاطيها مع دول العالم وطبيعة وضعها الاقليمي المتداخل اجتماعياً مع وضعها الداخلي، والذي يحتم عليها عدم انتهاج محور على حساب محور آخر. لذلك تعتمد سياسة العراق الخارجية لأجل النجاح في تطبيق مبدأ التوازن على ما تملكه من قدرات تتمثل اولها في تماسك البيئة الداخلية (النظام السياسي والقدرات المادية والاقتصادية فضلا عن الامكانات العسكرية) والتي تعد من أهم الأسس فيها سياسة خارجية قوية ومتماسكة. 
إنَّ السياسة الخارجية التي تنتهجها الحكومة العراقية برئاسة السيد مصطفى الكاظمي تثبت بخطوات جدية وسريعة توازنها في التعاطي مع المشهد الاقليمي والدولي، فضلا عن سرعة التجاوب مع الأحداث العالمية، وهذا الامر أثبتته الحكومة في التعاطي مع الملف اللبناني حتى قبل كارثة مرفأ بيروت، وإنما سبق ذلك موقف الحكومة العراقية في دعم لبنان وحكومته بسبب أزمته الاقتصادية التي يعاني منها منذ فترة ليست بالقصيرة، وقيام الحكومة بإرسال وفد اقتصادي من عدة وزراء ومسؤولين لتعزيز وتنمية العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين الشقيقين.
أما على الصعيد الشعبي والإعلامي، فسجلت مواقع التواصل الاجتماعي توجهاً سريعاً وتفاعلاً كبيراً مع أحداث لبنان حتى سُجل في الإعلام الرقمي أن الترند على تويتر والانستغرام حلَّ فيه العراق ضمن أول خمس دول متفاعلة مع الحدث في لبنان ومتضامنة مع الشعب اللبناني، فعلى الرغم مما يمر به الشعب العراقي من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، فضلا عن انتشار وباء كورونا، إلا أنه أثبت خلال يومين أنه يستطيع أن يتناسى جراحه ويتضامن مع الشعب اللبناني من منطلق الشعور العالي بالمسؤولية الأخلاقية قبل كل شيء. هنا حين نقول لحظة العراق، هذه هي لحظة العراق وتاريخه من جراحاته ومآسيه ينتفض ليعلن الدعم والمساندة مادياً ومعنوياً مع الشعب اللبناني الجريح. 
مرة أخرى تثبت الشعوب التي تمر بالآلام والمصاعب أنها الأقدر على الوقوف الى جنب بعضها وهذا ما فعله العراق. ستعود بيروت وتقف على قديمها مجدداً وستعود تغني الحياة والصمود وستعلن مساجدها تكبيراتها سريعاً وستدق أجراس كنائسها لتعلن السلام في ربوع لبنان الحبيب، وستتذكر كيف وقفت الشعوب وتضامنت معها. كما هي بغداد ستعود أجمل لأنها منتصرة للحق وتقف مع مظلومية الإنسان في أية بقعة من الأرض او زمن من الأزمان. سلاما لبيروت من بغداد السلام.