المطالبة بعودة الانتداب

آراء 2020/08/09
...

علي لفتة سعيد
 
لم يكن طلب بعض اللبنانيين وإن لم يكن كل الشعب اللبناني بضرورة عودة الانتداب الفرنسي من الرئيس الفرنسي الذي كان أول رئيس يصل الى بيروت بعد حادثة مرفأ بيروت الفجائعية.. بالنسبة لي لا أعده مفاجئا بل هو الامر الذي ربما سيتناسل ويعدم الشعوب العربية التي ازداد الحب والحنين الى ماضيها أكثر من حاضرها وأكثر من التطلع الى مستقبلها الذي لم يكن يوما مزدهرا طوال نصف قرن تقريبا، حين انتهت ملامح وعلامات وقوة الاحتلالات التي كانت تعيشها الشعوب العربية من المحيط الى الخليج.

إن الأمر يحتاج الى مناقشة واسعة ليست بين المفكرين والاكاديميين والمثقفين بصورة عامة بل بين كل هؤلاء المنتجين للفكر والوعي وبين السلطة بكل تشعباتها ورؤوسها، سواء كانت سلطة سياسية أم دينية، وخاصة تلك التي تملك صلاحية اصدار القرارات التي تعطي للشعب مقبولية الرأي اذا ما أريد حق
ا مناقشة الأسباب التي وصلت الى هذا التراجع القيمي والأخلاقي والوطني إن صحت التسمية وفق مبدأ الوطنية التي كانت سائدة حتى مطلع القرن الحالي وتراجعها مع السنوات التي تلت احتلال العراق وما حصل فيه وما حصل من ربيع عربي عدت ثورات خضراء لكنها انقلبت كما ينقلب السحر على الساحر وتراجعت قيم الربيع الذي انطلق من تونس لأنها أي اللحظة التي أشعلت الشرارة لم تكن في حسابات التاريخ حين أشعل البوعزيزي نفسه وعربته ليتحول الى رمز لأن الأحزاب التي استغلت إحراق شخص لنفسه كانت كافية لمواجهة السلطة باستغلال عاطفة الناس التي لم تكمن مرتبطة بالشخص ذاته وتعاطفها معه، لأن هناك الآلاف من الذين انتحروا او حتى أعدموا ولم تستغل عاطفيا، بل لأن الجوع كافر وان السلطة كانت طاغية في هذا البلد او ذاك فاستغلت من الأحزاب التي تبحث عن لحظات الإطاحة بعنوان الشعب لتكون هي ذاتها وقد تحولت الى جزء من فاعليات الطاغية او أكثر حين وصلت الى السلطة.. وما يحصل في الكثير من البلدان العربية ما بعد التغيير دليل على أن الشعوب أكلت نفسها لأنها غيرت الانظمة ولم تغير النفوس والثقافات السلطوية، ولهذا لم تزل هذه الشعوب تعاني من الحروب بدءا من ليبيا في الغرب العربي الى العراق في شرقه.
ولهذا نجد أن الشعوب العربية التي لم تشهد تحولات الربيع العربي تمكنت سلطاتها من توسيع صورة الخراب في بلدان الربيع ومساوقة الامر مع الشعوب واستغلال العاطفة أيضا وطرح سؤال من الأفضل الجوع أم الحرب.. الحكم الحالي أم الحرب الأهلية؟، ومن ثم عقد مقارنات بين زمنين حاكمين مختلفين كانا في اتجاهين متضادين تحولا الى اتجاه واحد وهو زيادة أمن الناس، مع بروز ظواهر عديدة أخذت على عاتقها طرح أفكار جديدة في الألفية الجديدة بعد انتهاء فترة العروبة والقومية والاستبداد والاستعمال الى مقاومة المحتل وتحرير البلدان والسيادة والواجبات الشرعية والدينية التي صارت هي ألقاب الذي يدخل منه العقل الغائب عن التفكير الى فرن 
الشواء.
إن العودة الى السؤال لماذا طلب بعض اللبنانيين عودة الانتداب الفرنسي، فإن الاجابة هي ذاتها التي يطلب فيها بعض العراقيين عودة الحكم الملكي الى العراق ويطلبها الليبيون وسيطلبها الكثير من الشعوب العربية. 
إنه يمكن تحديد النقاط بالآتي
•  النتائج التي شهدها القرن الواحد والعشرون كانت كارثية من الناحية الاقتصادية
2 - تشعب الحكومة وتحولها الى سلطة متعددة الرؤوس وكل رأس له سلاح وفكر ومنطقة ودفاع 
وهجوم.
3 - تحول الموضوع الاقتصادي الى منطقة ضاغطة على الحياة 
اليومية.
4 - عدم بلوغ كل الشعارات سواء التي كانت تطرح ما بعد التغييرات التي شهدتها بعض البلدان العربية لتكون شعارات قبالة للتحقيق العام بل صارت شعارات تطبق لجماعات محددة من الشعب
5 - تفاعل الجهات الدولية لما بعد العولمة وتوحدها في مواجهة المد الديني سواء كان في العالم الاسلامي وحتى العالم الغربي ذاته لأنها لا تريد النجاح لهذه الجماعات التي قد تكون ممهدة لظهور جماعات مسيحية متعصبة أيضا تطالب بالحكم الديني في تلك المجتمعات
6 - وعطفا على النقطة السابقة إن بعض أوجه التفاعل هو جمع كل المتطرفين في العالم ليكونوا أداة الحرب في بلدان التغيير لكي لا تنجح الجماعات التي برزت فيها كمكونات عرقية او دينية او مذهبية
7 - طول فترة الصراع داخل البلد الواحد بين أطراف السلطة ورؤوسها التي أسهمت بتبدد الثروات وتراجع قيمة العملات وصعوبة الحصول على المال للعيش مع ارتفاع تكاليف العيش
8 - زيادة نسبة الفاسدين في السلطة واستمرار قابلية الفساد على الانتفاخ وتحوله الى جزء مهم من التركيبة الحزبية او السلطوية
9 - انتهاء الطبقة الوسطى في مثل هذه المجتمعات بل قلة في طبقة اقتصادية مرفهة، وكثرة في طبقة اقتصادية شبه ميتة، مما ولد الكثير من حالات الجرائم والتسول والمخدرات
10 - ضعف الدولة ذاتها في مواجهة الحالات المؤذية للشعب مع ضعف في تنفيذ القانون
11 - لم يعد المواطن يصدق بالكثير من الشعارات
12 - اللجوء الى المقارنة بين الزمن الماضي والزمن الحاضر، وزلا ايمان بالتحسن بالزمن المستقبل مع وجود كل تلك الرؤوس وهي باقية وتتمدد بقوة في صراعاتها.