البلادة في الإدارة والسياسة

آراء 2020/08/09
...

د. سعد العبيدي
 

انفجرت أطنان من نترات الأمونيوم في أحد عنابر الخزن في مرفأ بيروت، فخسرت لبنان عشرات القتلى، اعتاد العرب والمسلمون وسمهم بالشهادة، وخسرت أيضاً آلاف الجرحى بعضهم على الطريق المعبد الى عالم الشهادة بسبب شدة الإصابة، وتهدم جزء من العاصمة بيروت، وقدرت الخسائر المادية بما يزيد عن الخمسة عشر مليار دولار قابلة للزيادة. لقد تحير اللبنانيون ومثلهم العرب في مسألة هذا التفجير الكارثي وظهرت على السطح تفسيرات وأسئلة كثيرة ونظريات متعددة تتعلق بطريقة التفجير وأساليب التنفيذ، وانقسم القوم كعادتهم بين فريق يرى الإهمال سبيلاً للتفجير، وبين فريق يعتقد بوجود قصد لإسرائيل، وتركوا أصل المشكلة التي أساسها كيف بقيت آلاف الأطنان من مادة قابلة للانفجار مخزنة في عنبر متهرئ بطرق بدائية لست سنين 
متتالية. 
وفي موضوعها لو جاز لنا الوضع أن نترك القصد وإسرائيل التي إن فعلتها، ستقول إنها فعلتها وهي من طبعها عدم الخوف والخجل من الفعل الذي تفعله استهانة بالعرب بعد أن أصبحوا بمجموعهم لا يخيفون عنزاً في اسرائيل. لو تركنا هذا ومعه الإهمال في عملية الخزن التي قد تكون وراء سبب التفجير، وتمسكنا بناتج الفعل على الجمهور اللبناني الوديع، حيث الإصابة بالصدمة النفسية الشديدة التي دفعت ما يزيد عن الخمسين ألف مواطن ومواطنة الى التوقيع على عريضة تطالب الرئيس الفرنسي ماكرون بإعادة الانتداب الفرنسي لحكم لبنان، ودرنا حول موضوعها سنجد أنها مطالبة وان كانت شكلية، لكنها تعبر عن حجم المشكلة التي يعيشها اللبنانيون من أسلوب محاصصة وتوارث في الحكم لا يتناسب مع الزمن الذي يعيشه العالم في الربع الأول من الألفية الثانية، أسلوب في الإدارة كون بلادة نفسية، تتمثل في ابتعاد المواطن عن الوطن، وغياب العلاقة الإيجابية للمواطن بالدولة، والاستقواء بالأجنبي على ابن البلد، وضعف الولاء، وخواء النفوس، وملل العيش، يمكن وصفها بنوع من البلادة جعلت المسؤول في الدولة لا أباليا والإداري لا يدرك أبعاد الخطر، وجعلت العامل في المرفأ لا يعي معنى الخطر، ودفعت بالسياسي أن يتفادى الخوض في مواضيع الخطر وربما الخوف من اثارتها. 
إن هذا النوع من البلادة السياسية التي وصلها لبنان، وصلها كذلك العراق، لكن المشكلة في العراق أخطر من تلك التي في لبنان لأن النفاذ السياسي في العراق متعدد الأوجه وكذلك خزين الأسلحة والمتفجرات، الامر الذي يجعله بلداً مرشحاً لحصول كارثة لا يقل التدمير في مستوياتها عن ذلك الذي حصل في لبنان. ومحصلة القول إن البلادة لغز فك شفرته صعب، لأنه يتعلق بمصاعب الإدراك وممانعة الكبار، والإصلاح صعب لأنه يتعلق بمحرمات السياسة والدين والمعتقدات. والأصعب منهما تفادي حصول سلسلة كوارث قاسمها المشترك بلادة لا نقبل حقيقة وجودها على 
مستوى الشعور.