حميد المختار
لن يمر هذا الزلزال المدوي والانفجار الرهيب في مرفأ بيروت مرور الكرام، فهناك الكثير من التدابير التي ستتبع ذلك، سيكون هناك تحقيق دولي كما أراد الكثير من اللبنانيين، فبيروت ليست مدينة منسية أبدا، إنها مدينة كوزموبوليتية بامتياز، فهي منار الثقافة والتنور والتحرر والفنون والثقافة، فضلا عن كل ذلك فهي المكان الذي آوى الكثير من ثوار العالم والأحرار والمعارضين من مشارق الأرض ومغاربها، بيروت مرفأ الحرية والابداع وهي وطن الفن والكتابة، وهي جمهورية الآداب العربية كما وصفها سمير قصير، ويقول عنها نزار قباني (ها أنت دفعت ضريبة حسنك مثل جميع الحسناوات... يابيروت) وهي خيمتنا الوحيدة كما يقول محمود درويش وكما قال عنها ادونيس وسعدي يوسف وأنسي الحاج والكثير الكثير، إنها بيروت وعلى مر التواريخ دفعت وتدفع ضرائب الجمال والإصرار على صنع الحياة، فصارت عنقاء المخيال العربي وذاكرة الفن الأصيل، فشكلت حضورا راكزا في الإبداع العربي والعالمي، وفي الشأن الروائي فهي الرائدة في احتضان التجارب الروائية العربية المقيمة والوافدة وحتى العالمية، فالإبداع الروائي والقصصي والمسرحي والشعري معا ينطلقون في بوتقة عشق للبحر والأرض التي كلما احترقت ولدت من رمادها.
وما من رواية من روايات الحرب الأهلية لم تتعرض لبيروت الجغرافيا والتاريخ، والاحياء والشوارع والطرقات، من لم يرها رأي العين رآها بخياله مجسدة بين سطور الأعمال الإبداعية للكتاب والفنانين، فكتبت عنها الكتب لتؤرخ سيرورة الإبداع فيها ومنها كتاب (تاريخ بيروت) لسمير قصير، ثم انها ورشة عمل صنع الكتاب العربي ومنبع إصدارات الدوريات والمطابع ودور النشر والمعارض منذ خمسينيات القرن المنصرم، ورغم هذا الضوء والاشراق الثقافي لكنها أيضا مدينة ديستوبيا الحرب والدمار والموت ويوتوبيا العشق والجمال والحياة، فهي المدينة الأولى تاريخيا في كتابة الرواية العربية من حيث الريادة الروائية، ورغم تعاقب الكوارث والحروب والاحتلالات الصهيونية والحروب الأهلية والطائفية والعرقية تبقى هي المدينة الناصعة لتكون قبلة الفن والالهام والأدب والكتابة والشعر وموطن الإبداع، من هنا كتب صنع الله ابراهيم روايته المهمة (بيروت بيروت) وكتب جبور الدويهي رواية (شريد المنازل) و(عين ورده) وكتبت حنان الشيخ رواية (حكاية زهرة) ورواية (بريد بيروت) وتوفيق يوسف عواد رواية (طواحين بيروت) وغادة السمان رواية (لا بحر في بيروت)، اما في السينما فقد انتجت الكثير من الأفلام سواء بإخراج لبنانيين او عرب وأجانب، وكنت حين نزلت في مطار رفيق الحريري وخرجت إلى شوارعها عشقتها منذ النظرة الأولى وإذا بالشعر يتدفق لدي كما لو أني اعيش في أحضان ساحرة تلهم الشعراء بالكتابة والثمالة والعشق، لهذا اقول ستبقى بيروت منارة لكل إبداع وسيدة لاتبارى بجمالها رغم النار وقسوة الانفجار، فبيروت عنقاء العالم
التي لاتموت.