قمة بيروت

الصفحة الاخيرة 2020/08/10
...

عبدالهادي مهودر
 
كان عقد مؤتمرات القمم العربيَّة دلالة على بلوغ القلوب الحناجر والوصول الى ذروة الأزمة وجرت العادة أنْ تدعى الدول العربيَّة للتشاور في مؤتمر قمة عربية بحضور عالي المستوى فيبدأ وينتهي شهر التحضيرات الأول ببيانات التأييد والترحيب وينتهي شهر الانعقاد بالكلمات والبيان الختامي أو بالتناحر اللفظي، لكن موقف الحد الأدنى كان مطلوباً في كل الأحوال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في أقل تقدير ببيان شجب وتنديد وتأكيد على مركزية القضية المركزيَّة، وفي الوضع العربي السابق وعهد القمم كان حدثاً بمستوى فداحة تدمير مرفأ بيروت ينتهي لا محالة بمؤتمر قمة عربي أو بمؤتمر على مستوى وزراء الخارجية من أجل الخروج بقرار عربي موحد كحد أدنى وإعلان دعم اقتصادي وحملة تبرعات عاجلة، غير أنَّ الدول العربية اليوم انكفأت على نفسها والأولويات تغيرت وتبعثرت والبوصلة فُقدت والقضايا المركزية تهمشت والهامشيَّة تصدرت، ويلاحظ بعد فاجعة بيروت قيام كل دولة عربية بإصدار بيانها الخاص بشكل منفرد وإطلاق مبادراتها بشكل منفرد حسب درجة العلاقة والقرب والحب لبيروت، بينما اكتفت بعض الدول العربية الفقيرة ببيانات تضامن فقيرة أيضاً ووجد الإعلام المسيس فرصة سانحة لتوسيع رقعة الحريق اللبناني وتأجيج الصراع بين أطراف المعادلة اللبنانيَّة الصعبة، بينما البيانات الرسمية تدعوهم للوحدة والتكاتف ورص الصفوف، ولكن حين تصبح الأزمات العربية هي القاعدة والاستقرار هو الاستثناء فلا يمكن لمؤتمر قمة عربي أنْ يكون مجدياً وليس بإمكانه أنْ يطفئ كل هذه الحرائق المشتعلة من الخليج الى المحيط أو يوقف سيل التداعيات والتدخلات والانتهاكات التي تهز وتخترق جدران السيادة العربية (من الشامْ لبغدانِ ومن نَجدٍ إلى يمنِ الى مِصر فتطوانِ)، ثم جاءت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الى بيروت وسبقت وصول أي مسؤول عربي وكانت الخبر الأول في نشرات أخبار القنوات والصحف العربية ولم تأخذ زيارة أمين عام الجامعة العربية اللاحقة الى بيروت الاهتمام الذي نالته زيارة ماكرون ورغم إعلان السيد ابو الغيط من بيروت انَّ جامعة الدول العربية ستقف إلى جانب لبنان وتدعمه لكن أية مواطنة لبنانية لم تحتضن المسؤول العربي الزائر كما احتضنت وبكت على كتف ماكرون!
أما عراقياً، فكأنَّ قمة بيروت عقدت في بغداد فقد شارك العراقيون اللبنانيين الفاجعة بصدق وشعروا بها أكثر من غيرهم وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي أولى الدعوات للتضامن والدعم الدولي مع لبنان التي تواجه كارثة أكبر من قدراتها، وحظي الحدث اللبناني بتعاطفٍ كبيرٍ لم يحظ به العراقيون أنفسهم عندما كانت مدنهم تدمر بالسيارات المفخخة ويتجاوز عدد الضحايا أضعاف ما شهده تفجير مرفأ بيروت، لكنه طبع العراقيين (يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
ورسمياً كان طريق بغداد - بيروت فاعلاً وسباقاً في تقديم المساعدات ولم يتوان الساسة في لبنان بالحديث عن المبادرة الحكوميَّة العراقيَّة وشكرها بالمقارنة مع مبادرات ضعيفة وخجولة من دول أخرى أرسلت شحنات من القطن والشاش.. (ويا عيب الشوم) قالها اللبنانيون بوجه مواقف تنبأ بها شاعر الحب نزار قباني: (بيروت.. سامحينا إنْ تركناكِ تموتينَ وحيدة.. وتسلّلنا إلى خارجِ الغرفةِ نبكي كجنودٍ هاربينْ.. سامحينا.. إنْ رأينا دمكِ الورديَّ ينسابُ كأنهارِ العقيقْ.. سامحينا إنْ جعلناكِ وقوداً وحَطباً للخلافاتِ التي تنهشُ من لحمِ العربْ.. منذُ أنْ كانَ العربْ!).