سانشو: كان رائعاً لو تحولت أشجارُ هذه الغابة إلى (قواطي) مارتديلا بالفلفل الأحمر يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: إنها أحلامٌ سريالية لجياع لم يحرثواً أرضاً، يريدون الخبز جاهزاً، وكأن سنابل القمح تنمو بالأفران.
سانشو: ألا تؤمن بالجوع يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: كلا يا سانشو. أنا مؤمن بعضلات الفلاحين التي تفيض تحت الشمس بالبركة.
سانشو: وهل يأتي الطحين من جعجعة البركة؟.
دون كيشوت: البركة بالحركة كما يقال في الأمثال. والفلاحون حبرُ التراب وكتّاب الأرض.
سانشو: ولكن قلْ لي يا سيدي الدون، هل يُصنعُ الطباشير من الطحين؟
دون كيشوت: هذه هي الجعجةُ بالضبط.
سانشو: لمَ تقول ذلك عني. هل أخطأتُ أنا يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: أنت لم تخطئ وحسب، بل تستحق جائزة نوبل على هذا الاختراع يا سانشو.
سانشو: تشكر يا سيدي الدون. أدرك أنك لا تمدح ولا تذم أحداً، قبل أن تغرز رمحك بلحمه. ولكني لن أتوقف عند حدود اختراع الطباشير من الطحين وحده، بل وكذلك سأعمل للنسوان من الطحين بودرة.
دون كيشوت: تقصد بودرة تنضم إلى أدوات مكياج السيدات والبنات يا سانشو؟
سانشو: والزلم كذلك. أجل يا سيدي، وأعتقد بأنني سأتفوق على أهم شركات المكياج من أمثال شانيل وريلفون وسيفورا.
دون كيشوت: لقد أصبحت يا سانشو من علماء الأبستمولوجيا بجدارة.
سانشو: وما هي هذي الأبستمولوجيا بحق السماء والطارق. أهي بودرة أجنبية أم من أقلام الحمرة؟
دون كيشوت: تقريباً هي هيك. بودرة معرفية لمكيجة العقل.
سانشو: وكيف لبودرتنا الوصول إلى العقل، وهي للاستعمالات الخارجية. هل سيرفع المتمكيج غطاء قحف الرأس، فيستعمل تلك البودرة ثم يعيد الغطاء لمكانه الأصلي ثانية؟!
دون كيشوت: يمكن ذلك. ويمكن لمن يريد استعمال البودرة العقلية، أن يخضع لعمل جراحي لفتح الرأس والتمكيج بواسطة الطبيب. كل شيء جائز يا سانشو. فالعالم على شفير الجنون.
سانشو: يبدو أن اختراعاتي ستكون مفيدة لأهل المعارف. أليس كذلك يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: بالضبط. فـ ((بودرة الأبستمولوجيا)) ربما ستتفوق على نظرية المعرفة الأم التي تدرس طبيعة المعرفة وعقلانية الاعتقاد بالتحليل الفلسفي لجميع مراحل بناء المعرفة بعد التشكيك والتمحيص لمفاهيم الحقيقة.
سانشو: يبدو أنني أصبحت صاحب نظرية. أليس كذلك يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: طبعاً. وربما سأدع حصاني هذا شريكاً نظرياً لك؟
سانشو: إذا كنتُ غير راغبٍ بشريك من البشر، فكيف تريد مني الموافقة على شراكتي لحصان هَزيل موديل القرون الوسطى؟!!
دون كيشوت: ويحك يا سانشو أن تلفظ كلمات من هذا النسل اللغوي القبيح عن حصان دخل التاريخ بكفاحه وحروبه ضد الطواحين. إياك إياك.
سانشو: لم يكن كلامي إلا نقداً يا سيدي الدون. لذا لا أجد حرجاً فيما لو سمع كلماتي أحدٌ من الشعوب المتحضرة.
دون كيشوت: أنتَ لو عشتَ مع تلك الشعوب التي تتصورها حضاريةً في ذهنكَ، واستعملوا كم قوطية من البودرة المُختَرعة من قبلك، لقاموا برميك في المحيط الأطلسي وأكلتك أسماك القرش والتماسيح والغواصات النووية.
سانشو: كم تبدو حاقداً على أفكاري ومخترعاتي؟!!
دون كيشوت: لستُ سادياً لأفعلَ بك ذلك. ضعْ في ذهنك هذا يا سانشو ولا تتخبط.
سانشو: وما هي السادية يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: أن تضربَ بطيخةً بالسوط حتى تصبح حمراء وتنفلق من الوجع.
سانشو: وما معنى بطيخة يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: هي من لوازم الصيف، لو قسمتها إلى نصفين، لحصلتَ على خوذتين لحربنا في الطواحين.