نجاح المرأة استثنائي!

آراء 2020/08/10
...

علي شايع 
 
يبدو العنوان خاطئاً للوهلة الأولى، وستحتج عليه النساء كأول من يعترض، وبشدّة. وربما سيعرّض القائل به للمساءلة الحقوقية، ونقد المنشغلين بمواجهة التمييز والتحيّز والعنصرية، لافتراضه وضعاً خارج المعهود الإنساني للمرأة، يعد أن أي نجاح لها سيكون عملاً استثنائياً؛ لما عليه هذا (الجنس البشري) من حال!. وهي فكرة خاطئة، ولأن «أخطاء العالم تبدأ من أخطاء لغوية» كما تقول الكاتبة أليف شافاق في قواعد العشق الأربعين، فلا بد أن يكون السعي لتقليل الخطأ أو تصحيحه بدءاً من لغة الخطاب. 
العنوان خاطئ في الدول المتحضرة إذ تُمنح المرأة فرصتها بمساواة، لتخلق فسحة استثنائها الشخصي بمجال الإبداع والحضور. لكن للعنوان فضيلته الخاصة ببلدانٍ تكافح المرأة فيها لنيل استحقاقها، وإحراز حالة استثناء وفرادة. لحظتها سيكون نجاح المرأة استثنائياً بالفعل، لأنها انعتقت من أخطاء المجتمع، وتحرّرت، وهي ذات الأهمية والشأن الأجلّ من «أن تكون تحت رحمة ما هو أقل أهمية»، فهذا هو الخطأ الأقسى؛ كما تنشد قصيدة حزينة لـ «غوته». 
في إلتفاتة رائعة، تنبّه الى بعض مبدعات استثنائيات، عرضت قناة محلية قبل أيام، لقاءً مع أستاذة جامعية تعمل فلاحةً لتعين أهلها في احتياج الحقل، متحدثة عن ذلك بفخر واعتزاز، واعتداد بالنفس منح حضورها التلقائي تأثيراً ايجابياً هائلاً، وهي تسرد وقائع مشوار صعب عانت فيه، أملاً بالشهادة العليا. الطموحة هجران علي مثابرة استثنائية وقدوة لبنات جيلها، وأيقونة للسعي الأجمل والإرادة المكافحة. في حكايتها ما يملأ الصفحات عن الإصرار، وما يغطي ساعات تلفزيونية للاحتفاء بمثل هذه التجربة، واستثمارها كطاقة إيجابية تحث على الإبداع والعطاء. 
من يسمع حديث هجران علي سيكتشف أنها بعيدة عن هاجس النجومية الإعلامية، لأنها وضعت لنفسها هدفاً أسمى سعت لوصوله، وتحمّلت لأجله، يحضُّها أمل وطموح لا ينتهيان عند النجاح؛ لأن النجاح الحق بداية للتجربة الإنسانية الأرحب؛ تلك التجربة الحَريّة بأن يعلمها الناس ويتعلّموا منها، وهذا ما على الإعلام من واجب لتقصيّ دورها في المراقي. 
 قبل أيام كنت أبحث عن خبر نيل الناشطة في حقوق الطفل، هديل قاسم حسين موزان جائزة السلام العالمية التي أقيمت مراسيمها في العاصمة البريطانية لندن في العام 2016، ولم أعثر إلّا على مقال واحد، وخبر نشر في موقعين الكترونيين فقط، من بين مئات المواقع الإلكترونية وعشرات الصحف والمجلات، والإذاعات والفضائيات المحلية. 
قيل: (إنَّ بخس الثواب، إن دام، ظلمٌ). وإن بخس حق المرأة بالحضور والنشاط الفاعل، وازدراء دورها أو الانتقاص من قيمته، ربما يعادل من حيث الوقع والتأثير، عدم الالتفات الى الجهد الاستثنائي لعطائها، فما أكثر من نِلنَ شهاداتٍ وتكريماً في خارج البلاد، وتُغيَّب أخبارهن عن إعلامنا. 
الجائزة العالمية كانت تقديراً لدورها كناشطة دخلت مناطق الاشتباك الحربي لتغطية أخبار الأطفال اللاجئين والكتابة عنهم. الموضوع، وبمعزلٍ عن نيلها الجائزة، كان جديراً بالاهتمام والمتابعة، وليست القضية للعتب أو لكسب عطاء إعلامي جديد الآن، في وقتنا الضائع حسرات، لكنه لتقويم الأخطاء وتصويبها، وصدق الشاعر، بقوله، نبذاً لجدوى عطاء المنّ: ما بي حاجة لجداك لكن.. أردُّك عن قبيحكَ للصَّوابِ.