الحدث اللبناني وأسئلة «المسكوت عنه»

آراء 2020/08/12
...

علي حسن الفواز
ما يجري في لبنان يكشف عن طبيعة الصراع الذي بين فرقاء الأزمة، وطبيعة الملفات السرية والظاهرة، والتي ترتبط بشكل او بآخر بملفات الصراع الاقليمي والدولي، وأحسب أن انفجار مرفأ بيروت بقطع النظر عن أسبابه والسياق الذي جاء فيه، ليس بعيدا عن طبيعة تلك الصراعات، وعن محاولة جر الفرقاء الى جولة جديدة من الاحتدام، والى تغيير مسار العملية السياسية، وهو ما صرّح به رئيس الوزراء المستقيل حسان ذياب في دعوته لانتخابات مُبكرة، وحتى التظاهرات التي شهدتها شوارع بيروت واستقالات بعض الوزراء والنواب تدخل في مجال إحداث الصدمات السياسية، وفي جعل صراع الملفات وكأنه صراع إرادات، لاسيما على مستوى التوازن داخل المجلس النيابي، وطبيعة تأثير ذلك على القرارات الستراتيجية التي تمسّ السياسة 
والاقتصاد والأمن.
خطورة الحدث في الشارع اللبناني تعكس مدى التأثير السياسي للانفجار البيروتي، وامتداده الى مجالات الاجتماع السياسي والحزبي والثقافي، وكذلك مدى توظيفه لأغراض ومصالح سياسية في تغذية مستويات الصراع، وفي الكشف عن «المسكوت عنه» عند بعض الأجندات اللبنانية، وصولا الى طلب البعض الدعوة للانتداب، او لعدم تسليم المساعدات الدولية والعربية الى الحكومة، فضلا عن ممارسة الضغط السياسي للتأثير على توجهات الدولة اللبنانية، عبر سلسلة من الاستقالات الحكومية والبرلمانية بدءا من استقالة رئيس الوزراء وحكومته، وانتهاء باستقالة نواب حزب ال جميّل، التي باتت توجهاتها معروفة، على مستوى العمل على الدعوة لانتخابات مبكرة، او على مستوى العمل على تغيير الواجهة السياسية لما سُمي بمرحلة العهد اللبنانية.
 
الحدث وأهداف التحقيق الدولي
الدعوة للتحقيق الدولي بحادث الانفجار لها أهداف وتوجهات معروفة، وهي ليست بعيدة عن الصراع السياسي اللبناني، كما أنها مطلب اختلطت فيه النوايا الدولية والاقليمية، ولأهداف تخصّ ماهو خفي في الصراع الاقليمي، والسعي لخلط الأوراق، لاسيما ما يخصّ سلاح المقاومة اللبنانية، والتأثير على دورها في ضبط معادلة الردع..
إنَّ المطالبة بتحقيق دولي بحادث التفجير هو تضييع للوقت، هذا ما قاله الرئيس اللبناني ميشيل عون، والذي يعني تضييعا للحقيقة، ولإثارة مشكلات جديدة تخص الحدث، مثلما تخص لعبة صناعة العدو المسؤول عن هذا التفجير، والذي اقترن بالتحقيق الدولي الذي رافق حادثة مقتل رفيق الحريري عام 1995، إذ استغرق ذلك التحقيق خمسة عشر عاما.
هذه التقاطعات هي ما تجعل الحديث عن التحقيق الدولي محط تجاذب، ومحط حسابات سياسية، تغذيها الصراعات المحلية، وكذلك الاقليمية والدولية، وحتى زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الى بيروت بعد الانفجار تدخل في هذا السياق، والذي بدا واضحا خلال مؤتمر المانحين الدوليين الذي عُقد قبل يومين، والذي رهن تقديم المساعدات الدولية الى لبنان الى المنظمات الدولية العاملة في لبنان، والى منظمات ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا يعني موقفا سياسيا من الحكومة اللبنانية، ومن إجراءاته، مثل ما يمثله من ضغط على التوجهات الحكومية، وعلى دعوتها للقبول بالتحقيق الدولي، وبكل ما يستدعيه، أو مايفرضه من سياسات وإجراءات ومواقف، قد تكون سببا مفتوحا لإحداث مزيد من تأزيم السلم
الأهلي اللبناني.
 
الواقع اللبناني وصراع الأجندات
الاستثمار السياسي للحدث قد يكون هو العلامة الفارقة، وقد يكون دافعا لمزيد من الانقسامات، وأحسب أن قراءة المشهد السياسي، ومراقبة طبيعة التظاهرات والصطدامات في الشارع اللبناني تكشف عن خطورة تضخم الصراع، وتحوله الى استثمار لأجندات مفتوحة، وربما الى مايشبه «الحرب الأهلية» التي أخذت لبنان خلال خمسة عشر عاما الى الدمار والخراب، والتي انتهت باتفاق «الطائف» وهذا مايجعل أجندة البحث عن «طائف» جديد خيارا للاستثمار السياسي الذي قد يُراهن عليه البعض، لخلق واقع جديد، وسياسات وتحالفات وسياقات جديدة، تتسق مع أهداف «الشرق الأوسط الجديد» ومع «صفقة القرن» أو مع توجهات تنحاز الى التطبيع مع «اسرائيل».
الحفاظ على السلم الأهلي اللبناني هدف كبير، ومواجهة تداعيات انفجار مرفأ بيروت هدف مسؤول، لكن الحفاظ على التوازنات السياسية والأمنية هو المجال الذي ينبغي أن يكون خطا أحمر، لأنّ ما جرى قد يكون مخططا له للوصول الى هذه النتائج، والعمل على تدويل الواقع اللبناني وإخضاعه الى مزايدات وهيمنات الدول الكبرى..