المطرب الذي في داخلنا

الصفحة الاخيرة 2020/08/13
...

سامر المشعل

لدى عموم الناس رغبة بالغناء والبوح بما يعتمل في نفوسهم من مشاعر الفرح او موقف انساني او لحظة تجل عاطفي، فهي حاجة روحية ونزوع نحو تفريغ الهموم او تجسيد لحالة التألق الروحي.
الناظم المتحكم في هذه الرغبة يكمن بالصوت الذي يمتلكه احدنا، فاذا كان جميلاً ومتمكناً، من الممكن أن يطلق هذه الحاجة الروحية، او يكون عائقاً في كبتها، فيكتفي الكثير منا بالدندنة.
هذه الصورة نجدها بوضوح اكبر عند الملحنين المحترفين، ففي داخل كل ملحن حلم أن يكون مطرباً، لاسيما ان الملحن هو الذي يعيش النص ويحوله الى اغنية، فيسبغ عليه من روحه ومشاعره، ونجد ان الكثير من الملحنين لا يستطيعون أن يكبتوا هذه الرغبة من الخروج الى الجمهور، ويتحينون الفرص لاظهارها امام الملأ.. لذلك ظهر الكثير من جيل السبعينيات من الملحنين وقدموا الحانهم باصواتهم امام الجمهور مثل عباس جميل وفاروق هلال وكوكب حمزة وطالب القره غولي ومحمد جواد اموري وعبد الجبار الدراجي وجعفر الخفاف وطارق الشبلي.. وغيرهم. وقد سرني الفنان الكبير طالب القره غولي في احد اللقاءات الخاصة، انه قدم نفسه الى لجنة الاختبار في الاذاعة والتلفزيون، كمطرب وملحن، لكن اللجنة رفضت واستكثرت عليه ذلك، فطلبت منه، ان يقدم على حقل واحد، اما مطرب او ملحن، فاختار التلحين، وقدم اول لحن له باغنية " ياخوخ يازردالي ".
والكثير من هؤلاء الملحنين قدموا الحانهم في " كاسيت " يضم هذه الاغاني باصواتهم، مثل الملحن طالب القره غولي ومحمد جواد اموري وجعفر الخفاف.. على الرغم من ان هذه الالحان قدمت باصوات كبيرة ومؤثرة ونجحت، الا ان الكثير من المستمعين وانا منهم نحب هذه الاغاني باصوات ملحنيها، لانها تحمل احساس ملحنها الاصلي بعفوية وعذرية.
هذا كان في زمن يحترم التخصص وله مقاساته الحادة، الا ان هؤلاء الملحنين لم يستطيعوا ان يكبتوا رغباتهم من النفاذ الى ذائقة الجمهور.
لم تتوقف هذه الظاهرة عند تخوم عقد السبعينيات انما امتدت الى فترة الثمانينيات والتسعينيات وبرزت بشكل اكبر وظهرت على الساحة الفنية ظاهرة " المطرب الملحن " مثل الفنان كاظم الساهر ورائد جورج ومهند محسن ونمير عبد الحسين وحسين البصري وصباح الخياط وباسم العلي وقاسم ماجد وعائد المنشد.. وغيرهم.
اما في الفترة التي تلت عقد التسعينيات، فلم يعد الملحن يشعر بالحرج وتجاوز الحدود الفاصلة بين منطقة التلحين والغناء، فتسلل الى ساحة الغناء الكثير من الملحنين ومنهم: علي بدر وعلي صابر ونصرت البدر ووليد الشامي وسيف عامر وسيف نبيل وماهر احمد.. وغيرهم. النقطة الجديرة بالاهتمام، ان الملحن الموهوب والذي يمتلك خيالاً ورؤية، اذا توفر مع هذه المؤهلات صوت جميل، فانه يسهم في تأكيد حضوره على الساحة وانتشار اغانيه، لذلك برزت اسماء وخبت اخرى، رغم قوة موهبتها اللحنية، لانهم لا يمتلكون الصوت الجميل والمؤثر، الذي يمكنهم من تقديم اعمالهم مثل الملحن محسن فرحان، فلديه اعمال كبيرة ومهمة في اللحنية العراقية، لكنه لم ينل شهرة وحضور اقرانه.