دودة صحفيَّة!!

الصفحة الاخيرة 2020/08/14
...

حسن العاني 
من طبيعة الشخصية الصحفية وطبيعة عملها أنْ تكون (فضولية) وتتحلى بدقة الملاحظة، ولا تتوانى عن الاستفسار وجمع المعلومات وملاحظة الحدث الى ابعد نقطة، ولذلك تقترب احياناً من رجل الامن البارع الذي (يتحرى) عن كل شيء...
قبل بضع سنوات كنت اتابع معاملة خاصة بي في احدى الدوائر، صعدت ونزلت وتنقلت من شباك الى شباك حتى (هلكت) وادركت لماذا يطلقون على مؤسسة الدولة اسم (الدائرة) الحكومية ، لان المراجع يتحول الى ثور حقل يدور ويدور، وفي النهاية يجد نفسه عند المربع الاول، وهكذا بعد 15 يوماً من الاختام والتواقيع والتوسلات والتدافع والانتظار والوقوف امام كوة بحجم رغيف الخبز لايصال المعاملة، قالوا لي بلهجة جافة قاطعة (تعال بعد شهرين)، وبالنظر لمعرفتي المسبقة، ان اغلب موظفي الدولة ينظرون الى المراجعين وكأنهم شرذمة من المعارضة التي تخطط للاستيلاء على مواقعهم وامتيازاتهم ، فلا يصح مناقشتها، ولاهي مستعدة للحوار ، فقد لزمت الصمت وفوضت امري الى الله!!
بعد انقضاء الشهرين عاودت المراجعة، وفوجئت بما لم اكن اتوقعه ، حيث قاموا بالغاء رغيف الخبز واستعاضوا عنه بقاعة كبيرة ، كتبوا على واجهتها (الاستعلامات) بخط جميل، اما في الداخل فتم تزويدها بتسع مصاطب و13 كرسياً واجهزة تبريد حديثة و 3 برادات ماء، كما تم طلاء الجدران وعلقوا عليها عدة لوحات تمثل مناظر مذهلة من الطبيعة العراقية الساحرة ، في حين جلس عند صدر القاعة خمسة موظفين ( سيدتان وثلاثة رجال) وراء منصة خشبية انيقة تتوسطها سلة ورد!
اخذت مكاني مع المراجعين، وقبل أن اجلس استدعاني احد الموظفين وتسلم اضبارتي المؤجلة لشهرين.. قلب اوراقها ثم حولها الى الموظفة التي الى يمينه، وبعد ان اطلعت عليها قالت لي بمنتهى اللطف [حجي.. معاملتك خلصانة.. باقي بس ختم الصادرة تفضل استريح].. عدت الى مقعدي فيما تسلم احد المستخدمين اضبارتي ولم يلبث أن عاد بعد اقل من ربع ساعة!!
الحقيقة اربكني المشهد.. معاملتي منجزة.. انه حلم.. وتساءلت مع نفسي بحكم (الدودة الصحفية) عن سبب هذا التغيير المفاجئ ولم اتوصل الى اجابة مقنعة ..بعد اسبوعين فقط راجعت الدائرة نفسها لانجاز معاملة اخرى تخصني.. وكانت مفاجأتي الاولى هي عودة "الكوة " بحجم اصغر من الرغيف و.. وظهر ان الدائرة كانت تنتظر زيارة مسؤول كبير، وحين انهى زيارته عاد كل شيء الى سابق عهده، واكتشفت ما هو ادهى، حيث تبين ان المسؤول يعرف جيداً كيف كانت الحال قبل زيارته والى اي شيء ستؤول بعدها ، وذلك يمنحه الفرصة لحضور اي مؤتمر ومواجهة الصحفيين الذين يتحدثون عن الروتين ، ويؤكد لهم انه اطلع شخصياً على الدائرة الفلانية والفلانية ووجد الامور تسير مثل عقارب الساعة السويسرية وبالطبع ليس من حق الصحفي (الغليظ) تكذيب المسؤول (الرفيع)، وكل زيارة والمواطنون بألف خير!!