الأسطورة في {بيني والرصاصة حلبة للرقص}

ثقافة 2020/08/15
...

ناجح المعموري
إلتقط القاص إبراهيم خليل ياسين عنونة مزدحمة بإثارة الأسئلة ويظل الجواب أو الأجوبة محيرة لا تدري كيف تتشكل؟ مادامت العنونة ومفرداتها زئبقية ولا تعي بأنها قلقة أو ضائعة، بل متحركة على تضاد واختلاف، وكذلك مرتجفة من حضور التباين بين مقطعي العنونة المكونة من الوجود والزمان، والاسطورة بينهما وسيط، بمعنى المجاز والاستعارة والرمز، هي عناصر الاسطورة. 
فالراوي هو الأنا/ الذات التي تبحث عن كينونتها المتسعة والتي تومئ لوجود احتشاد جماعي. والذات مصطفة مع الجماعة الوارثة لمرويات الآباء والأجداد مع إلماح للصحراء، فالرصاص يتعايش مع الحضور وقادر على رسم طاقة الأنا الذي ارتضى أن يكون وحيداً، لكنه متعايش وسط كينونة مع الطلقة، إنه منشغل بالدهشة والفرحة ومزاولة السعادة التي يغذيها الآخر. أنت وتكون لحظة متداخلة بين الأنا/والأنت وكل منهما يعرف جيداً الدور الذي يؤديه الآخر، وعلى الرغم من احتمالات الكلام، فإني أظن بوجود نوع من التباين لكن التوافق هو الذي يصوغ السردية. فالخيال هو الطاقة الداخلة في العنونة، ويكيف الرصاص والرقص وترتسم مجموعة من الصور، لأن المخيال ينتج ما يريده، هذا ما قاله ماركس كأول مفكر اِلتقط المخيال واشتغل عليه، لأن – المخيال – مجموعة من الصور وملفوظات تصطف مكونة لغة تمنح تفاهماً، وكلاهما اللغة والصور تذهب نحو التحولات الاجتماعية التي تحوز باستمرار قوة كشط السائد والتغيّر، ويعني هذا ضمن ما يشير إليه هو الحضور الأيديولوجي.
من يقرأ العنونة سريعاً، فإنه لا يلتقط غير الرصاص وما يومئ له، لكن الرقص وحلبته تمنح المتلقي الهادئ المتأمل والمترقب، شيئاً من التشويق والاستشراف يدنو تدريجياً الى الروح الكامنة في حلبة الرقص التي تتباعد بمعنى الاتساع وتنفتح للاستدعاء، والاستيعاب من أجل أن تكون الجماعة أكبر وأكثر اكتظاظاً وزحمة وهي تؤدي عيداً أو طقساً ثقافياً ودينياً هو كل ما ورثه الأفراد والجماعة، من تمثلات الماضي التي سيكون لها حتماً فعل مؤثر مثلما ذهب لذلك ماركس وأكد على فاعلية المخيال. حلبة الرقص، منوعات الأفعال، موحدة الصفة، فالطقس واحد ولحظته الزمنية لا تتغير، والغناء استحضار إيقاع الماضي، ولا بد وأن يتردد ضمن إيقاع آخر هو الرصاص، يمنح الفعالية الجمعية روحاً نابضة بالحب الديني، أو العشق الجسدي، العنونة منفتحة على المرأة ليس الآن، بل هي منذ البداية عندما كانت المرأة هي العقل التأسيسي لعناصر الأصول الأولى للحياة التي كانت هي تمظهرات الأرض، الانبعاث الابتدائي والرقص طقس ابتكرته المرأة ضمن فعالياتها الاحتفائية بكل ما يجعل من الحضور وسيلة للاستمتاع بما هو مبتكر.
الرقص فعالية دينية استدعت معها عدة من الفعاليات المغذية للطقس، مثل التحقق تنوعات الابتكار بواسطة الأرض، الماء والزهور ما يمكن اخضاعه للتخمير، وتوظيفه أخيراً لتحفيز المشاركات وتعاطي المسكرات التي تضفي جواً احتفالياً يتبدى لاحقاً عن مزاولات أيروتيكية تشكل جزءاً حيوياً من ملذات الجنس المقدس المتمظهر عن تجديد الحياة وإحياء الطاقات وتحفيز الأم الكبرى/الأرض على الانبعاث.
حلبة الرقص، فضاء صغير وكبير خاص بالنساء وآخر للرجال وفي أحيان أخرى يتشارك الجندر، مما يخلق تحفيزاً آيروسياً بفعل الاتصال بين الجنسين. والأنثى هي الفاعل والطاقة الكبرى في المزاولات اللذية التي تعزز التعرف بين الطرفين، مثلما تكرس التشارك، ومثلما قال أدونيس: الجسد ينتظر الاكتشاف دائما. الجسد حركة، مثله مثل الحب، والحق أنني ما استطعت يوماً وضع الجسد في الكتابة. فالتعبير عن الجسد يلزم الكثير من الكلمات في العربية ولاسيما للتعبير عن الشيء فأنت لا تعبر عن الشيء مثلما هو، وإنما عن صورة ذلك الشيء. لا تستطيع أية لغة التعبير عن الواقع مهما بلغ سموها الشعري، فهي عاجزة بالأحرى عن الإحاطة بالجسد الانساني، لأن هذا الجسد لا متناه واللغة لاتستطيع الإحاطة باللامتناهي. بهذا المعنى، أقول بأن الفعل الجنسي فعل فريد، عصي على التعبير، نحن نعيشه، ولكننا لا نعبر عنه.
ولا بد من الإشارة الضرورية ذات العلاقة بالمقدس وهي القدرة على الممارسة التي تظل في أحيان عدة ساكنة إذا لم تتم الاستعانة بالعناصر الجوهرية المكونة للدين، لأن الدين هو وحده القادر على بلورة الأفكار والقيم ذات العلاقة بالجسد، وتوفير الفرصة المتسامية للاتصال الادخالي معه.
حلبة الرقص، حضور وغياب، حضور متشارك للجندر وغياب للآخر، ووجود طرف واحد، والحلبة خالية إذا فقدت الثنائية، لأن المرأة تبحث عن الرجل والمذكر مهووس بغياب المرأة، يوفر له حضورها التعرف على كل ما في جسدها، صحيح كل الرجال يعرفون بأن للجسد مكامن عدة وتدريجياً يكتشف الرجل وظائف الجزء المختار من الجسد. وهذا يعني احتواء جسد الأنثى على وظائف حسية، كلها تتمركز حساً لا يقاومه المذكر. أما المذكر فإنه كامن في رمزيته الفالوسية، وحده الشغال وطاقته عند التمتع نازلة ولدى المرأة صاعدة، لأنها تشتعل تدريجياً (تصير لهباً، لكن هذا التباين غير عام، لأن الجندر تتداخل عناصره مع بعضها. إذ تتضح سرديات الإغواء منذ ابتداء لحظة الابتداء وتدب متحركة، صاعدة تدريجياً حتى يتمظهر جسد الأنثى من خلال تمثيلات هي تدفقات، يتم اكتشافها والركون إليها وتصير الى جزء من معرفة الأنثى 
الثابتة.
ولا تتكتم القراءة حول معنى الرصاص المعروف بنمطية دلالته وأحياناً برمزيته الذكورية ذات الامتداد القوي والسريع نحو مدورة الرقص كأفعال آيروتيكية ذكورية. كما أن الرصاص الذكوري متحركات الفالوس ولاِفتضاض وإزالة ما كان عذرياً.
هذا العنوان مثير كما تبدى لي وانشغلت به وكتبت عن أسطورته ضمن نسق خاص من دراسات كثيرة كتبتها عن أسطورة العنونة في تجارب أسماء شعرية مهمة في الشعرية العراقية مثل زعيم النصار / أحمد الشيخ / وسام هاشم / عمر السراي/ خالد الحلي ...  الخ ، الأسطورة متمركزة في عنونة الشاعر إبراهيم خليل ياسين / " بيني والرصاصة حلبة 
للرقص".