هيروشيما.. قنبلة بحجم عرش!

آراء 2020/08/16
...

عبدالامير المجر 
 
خمسة وسبعون عاماً على كارثة هيروشيما....هناك أحداث تبقى بمثابة أسئلة آنية على متن التاريخ، ومع الزمن تتجدد الإجابة عنها من دون أنْ تنتهي! من بينها خلفية إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما وميناء ناكازاكي، اليابانيين، والتي وضعت نهاية للحرب العالمية الثانية، لكنها كانت بداية لظهور أميركا كقوة عظمى، كتبت تاريخاً جديداً للعالم.
من خلال قراءتنا لتلك الحقبة المحتدمة، استوقفتنا تفاصيل تستحق التأمل. مؤتمر يالطا بالقرم مطلع العام 1945 الذي جمع ستالين وروزفلت وتشرشل، لم يعقد فقط لوضع خطة لدحر النازية، وإنما أيضاً لتقاسم النفوذ بين الكبار المنتصرين.. اندحرت ألمانيا وسقطت برلين بعد معركة استمرت من أواخر نيسان حتى أوائل أيار العام 1945 وهي آخر معارك تلك الحرب في أوروبا، لكن اليابان القطب الثاني للمحور ظلت تقاوم.. عقد الزعماء المنتصرون مؤتمراً في (بوتسدام) قرب برلين المحتلة، استمر من 17 تموز الى 2 آب، وكانوا هذه المرة، ستالين عن الاتحاد السوفيتي، وترومان عن أميركا الذي خلف روزفلت، بعد وفاة الأخير في نيسان من ذلك العام، وتشرشل عن بريطانيا والذي لم يكمل المؤتمر، بعد خسارته الانتخابات لصالح العمالي كيمنت اتلي الذي حضر بديلاً 
عنه.
أثناء المؤتمر، وصل سراً من أميركا، خبر خطير، لم يطلع عليه سوى ترومان وحده.. لقد نجح اختبار القنبلة الذرية!!
ثأر الأميركان من اليابانيين، بسبب هجوم (بيرل هاربر) الشهير حضر مع أطماعهم. والروس (السوفييت) تهيؤوا لتصفية حسابات قديمة، ربما سبقت حرب عامي 1904 - 1905 التي انتهت بهزيمتهم وخسارتهم جزر الكوريل لصالح اليابانيين وتوقيع اتفاق سلام معهم في بورتسموث، بعد وساطة أميركية، الهزيمة تلك تسببت باحتجاجات شعبية روسية واسعة في حينه، قمعت بقسوة في ما عرف بـ(مجزرة قصر الشتاء) فأرهصت لثورة اكتوبر.. ظل الصراع مع اليابان مستمراً في أكثر من ميدان لغاية العام 1939، لا سيما على منشوريا وكوريا، اللتين باتتا أخيراً في قبضة اليابانيين، ولغاية انعقاد مؤتمر (بوتسدام)، الذي سيطلق منه الزعماء الثلاثة، إنذارهم الى اليابان بضرورة الاستسلام، لكنها رفضت مع يقينها بأنَّ الأمور باتت تسير في غير صالحها، وظلت تتصدى للغارات الجوية والبحرية الأميركية البريطانية.. ستالين يريد استعادة ما خسرته روسيا من قبل، لكنه يضمر الانتقام من النظام الياباني الذي وصفه المؤتمر السابع للشيوعية الدولية (الكومنترون) بالفاشي! ما يعكس رغبة دفينة في إسقاطه واستبداله بشيوعي، لكنَّ الحزب الشيوعي الياباني الذي كان أحد الأحزاب المشاركة في مؤتمر الأممية الثالثة العام 1919 التي انبثقت عنها الأحزاب الشيوعية، ظل (اشتراكياً ديمقراطياً)، مراعياً واقع بلاده الثقافي، المتمثل بتقديس الامبراطور، ورافضاً الصيغة الثورية التي وصلت بها الأحزاب الشيوعية الأخرى الى السلطة.. الأميركان يدركون هذا، لكنهم وضعوا ستالين أمام واقع فرضته أولويات حاسمة، فالحلفاء وفقاً لخطة الهجوم المشتركة على اليابان، أعطوا السوفييت مهمة (تحرير) شمالي كوريا وجزر الكوريل وسخالين ومنشوريا الصينية، المحاددة لروسيا من اليابانيين.. في المقابل تعهد الأميركان بـ(تحرير) جنوبي كوريا وجزر اوكيانو وامامي وممتلكات اليابان في مايكرونيزيا، مع أنَّ قصفهم الجوي والبحري على اليابان مستمر منذ تموز 1944 لكن اجتياح الأراضي اليابانية بدأ في شباط 1945 وبلغ ذروته في تموز، وقد أصبح وضع اليابان حرجاً للغاية بعد دخول الاتحاد السوفييتي الحرب ضدها، موفياً بتعهدٍ قطعه ستالين في العام 1943 في مؤتمر طهران الذي جمعه بروزفلت وتشرشل، على أن يكون هذا بعد الانتصار على النازية، وهكذا أعلن ستالين الحرب رسمياً على اليابان في العام 1945 منهياً بذلك اتفاق الحياد مع اليابان الذي وقع بين البلدين في العام 1941 بعد انتهاء حرب الحدود التي اندلعت في العام 1939 ولانشغاله بالتصدي للخطر النازي، الأمر الذي سهّل مهمة الاميركان في اجتياح 
اليابان.
الموقف من النظام الياباني لم يحسم في مؤتمر بوتسدام، وفيما إذا كان الامبراطور سيحاكم كمجرم حرب على غرار النازيين أم لا، وهنا يكمن سر كبير ستكشفه الوقائع.
في 8 آب من العام 1945 شن السوفييت هجومهم على منشوريا وانتزعوها وسلموها لحليفهم الصيني (حزب الشعب) الشيوعي، فكانت بداية لانتصاره على الحزب القومي (الكومنتاج) بقيادة تشانغ كاي تشيك. ودخلوا شمالي كوريا ومعهم حليفهم كيم ايل سنغ، واستعادوا جزر الكوريل وسخالين.. سبقهم الاميركان والبريطانيون بقصفهم العنيف وزحفهم على الأراضي اليابانية. وفي 6 آب من ذلك العام، ألقت الطائرات الأميركية بالقنبلة الذرية على هيروشيما أعقبتها قنبلة أخرى على ناكازاكي، لتستسلم اليابان، بمعنى أنَّ السوفييت بدؤوا الهجوم قبل ساعات من إلقاء القنبلة الذرية الثانية على ناكازاكي (يوم 9 آب) وعلى الرغم من المقاومة الشرسة للقوات اليابانية، لكنها باتت بلا عمق ستراتيجي.. لقد سقطت الدولة!
ويبرز السؤال الكبير؛ لماذا لم يشرك الاميركان حلفاءهم السوفييت في حفل توقيع وثيقة الاستسلام ليقرروا معاً مستقبل اليابان، وانفردوا وحدهم بالمهمة؟!.. لقد غضب ستالين لهذا، ولكنه أيقن أنَّ استسلام اليابان للاميركان كان بحساب ستراتيجي، لم يخل من صفقة تاريخية.. الاميركان لم يقبلوا بمحاكمة الامبراطور وخلعه أو حتى تغييره كما طلبت الأسرة الحاكمة، خشية حصول اضطرابات في البلاد! هذا ما قاله الجنرال ماك آرثر الذي وقع معه وثيقة الاستسلام، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ اليابانيين الذين أيقنوا من الهزيمة، فضلوا التعامل مع الاميركان على السوفييت الشيوعيين فاستعجلوا إعلان الاستسلام لهم، قبل أنْ تسقط جميع الأراضي اليابانية في أيدي الحلفاء في الجبهات الأخرى، وهو ما حصل ووقعت وثيقة الاستسلام في 2 أيلول، بعد انتهاء الحرب تماماً.. وكان على الاميركان أنْ يقابلوا هذا بإبقاء الامبراطور على عرشه، أي الإبقاء على النظام واستيعابه داخل المنظومة الرأسمالية، وإبعاد أي تأثير للشيوعيين عليه.. إذنْ، الرسالة الذرية لم تكن موجهة فقط لليابانيين، بل للسوفييت ايضاً، فاليابان باتت أميركية!
هل كانت هناك ضرورة عسكرية لإلقاء القنبلة الذرية على المدنيين؟ الجواب الأكيد، كلا، لأنَّ اليابان تهاوت عسكرياً قبلها، فضلاً على كون ذلك عملاً غير أخلاقي بالمطلق، لكنها رسالة رعب وصلت لكل العالم، بأننا أصبحنا القوة العظمى وأنَّ عصرنا قد بدأ! وهنا نضيف إجابة نسبية للإجابات
 السابقة!