الشِّرْعة الدوليَّة

الرياضة 2020/08/16
...

محمد صالح صدقيان 
 
لا يختلف اثنان على أنّ الحكومة الاميركية مُنيت بهزيمة كبيرة خلال التصويت في مجلس الامن الدولي نهاية الاسبوع الماضي على مشروع قرار يطالب بتمديد الحظر التسليحي الايراني على خلفية «الاتفاق النووي» الذي توصلت اليه ايران مع المجموعة السداسية الغربية عام 2015. وعلى الرغم من ان مستشار الامن القومي الاميركي روبرت أوبراين اقرَّ بهذه الهزيمة الا انه قال ان الادارة الاميركية ستستمر في ضغوطها على ايران نزولا عند رغبة اصدقائها في المنطقة.
هذه الهزيمة لن تمرَّ مرور الكرام لا في الداخل الاميركي ولا في المجتمع الدولي وقد اوجدت تصدعا كبيرا في جدار المراهنة على الجهود الاميركية الرامية للضغط على ايران ان لم تكن قد قضت عليها بشكل لا يستهان به . 
ما قاله اوبراين يشير الى ان الادارة تعمل للذهاب الى الية «سناب باك» المنصوص عليها في القرار 2231 الصادر عن مجلس الامن الدولي والذي احتضن «الاتفاق النووي» لاعادة فرض العقوبات التي كانت قبل التوصل للاتفاق وتفعيل قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي 1696، 1737، 1747، 1803، 1835، 1929، بشكل اوتوماتيكي. المشكلة التي تواجه الادارة الاميركية انها تريد تجاوز «المسارات القانونية» بشكل غير قانوني وهي لا تملك السند القانوني الذي يؤهلها للسير في رحاب مجلس الامن الدولي. ومن الصعب التصور ان الادارة الاميركية لا تعلم بذلك، او تجهل هذه القوانين والاجواء التي تحيط بالدول الاعضاء بمجلس الامن الدولي استنادا للخبراء والمستشارين والضالعين باجواء مجلس الامن الدولي وقوانين الشِّرْعة الدولية . اذن السؤال لماذا اقدمت على هذه الخطوة التي اصبحت سابقة للدبلوماسية الاميركية منذ اكثر من 70 عاما ؟ اذا حملنا سلوك الادارة الاميركية على محمل الجد والايجابية فانه يهدف الى امرين، اما اذا حملناه على محمل التخبط والسلبية والفوضى التي تسود هذه الادارة فهذا وضع اخر لا نريد الخوض فيه . 
الامر الاول يريد تحريك «المياه الراكدة» من اجل تنفيذ خطوات اكثر فاعلية لاحراج الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي وتحديدا الدول ذات العضوية الدائمة وهي فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وتجعلها امام الامر الواقع في ممارسة المزيد من الضغط على ايران بعد اجبارها على اتخاذ خطوات متسرعة لاطلاق رصاصة الرحمة على «الاتفاق النووي» وعندها يكون المجال مفتوحا امام مجلس الامن الدولي لاصدار القرارات التي ترغب بها واشنطن بما في ذلك وضع ايران في الفصل السابع الذي يشكل «كماشة الخناق» عليها. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه لأنه لا يستطيع الصمود امام الوعي الايراني الذي حافظ قرابة ثلاثة اعوام على صمود «الاتفاق النووي» وصبر كثيرا امام العقوبات الاميركية احادية الجانب من اجل الاستفادة القصوى من الاتفاق الذي تقول عنه ايران انه لم يولد بشكل سهل، وانه ليس بين جانبين ايراني واميركي، وانما بين ايران والمجتمع الدولي الممَثَّل باعضاء مجلس الامن الدولي، مشفوعا بمشاورات يجريها الجانب الايراني مع الحليفين روسيا والصين وترتيبات مع الجانب الاوروبي في اطار اللجنة المشرفة على تنفيذ الاتفاق النووي التي اقرها القرار الاممي  2231.
اما الامر الثاني وهو الاستناد إلى الهيمنة التي تعتقد بانها تستطيع «تطويع الحديد» في اطار القوة الهائلة التي تمتلكها في عديد المجالات الامنية والسياسية والاقتصادية. وهذا الهدف ايضا لا يستطيع الصمود لان القوة مهما كانت ومهما بلغت فانها تستطيع ان تحقق اهدافا معينة ولمدة معينة وفي اطر معينة لكنها لا تستطيع ان تفرض الفوضى على المجتمع الدولي. ان الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي ومعها بقية الدول الاعضاء في منظمة الامم المتحدة تعتقد ان الضمان الوحيد المتوفر حاليا لاستتباب السلام في العالم هو «الشِّرْعة الدولية» وآليتها مجلس الامن الدولي فاذا نجحت الولايات المتحدة في اختراق هذه الشرعة فهذا يعني وضع الامن والسلام العالميين على «كف عفريت». 
تبقى آلية «snapback» المعتمدة في القرار 2231 والتي وضعت لاستخدامها من قبل الدول الاعضاء الموقعة على «الاتفاق النووي» في حال «عدم امتثال اساسي» لايران فانها تصطدم بعقبات قانونية يحرص المجتمع الدولي على ابقائها ضمانة للامن والسلام العالميين . 
اتمنى الا يفهم ان طهران صارت في وضع امن من التحركات الاميركية وان واشنطن رفعت الراية البيضاء. ابداً . لكن ما اريد التوصل اليه ان ايران لن تسكت وهي في «طريق ذات الشوكة»، والادارة الاميركية ليس امامها الوقت الكافي للمزيد من الانتكاسات وهي تستعد للاستحقاق الكبير كما يصفه الرئيس دونالد ترامب في الثالث من نوفمبر موعد الانتخابات الاميركية .