سانشو: تمنيتُ لو نأخذ هذه الطواحين معنا للعراق .
دون كيشوت: وما النفعُ والمنفعةُ من وراء ذلك سانشو. أن تساعدهم في حفلات شواء الكباب عليها كما تقصد؟
سانشو: كلا يا سيدي الدون. لم يكن قصدي هكذا أبداً.
دون كيشوت: وإذاً ما المعنى المقصود من تصريحك الأبله هذا؟
سانشو: قصدتُ أن تساعدَ الطواحينُ الناسَ كمراوح صيف بمواجهة الطقس الحار ليس إلا .
دون كيشوت: تقصدُ أن يجلس العراقيون شعوباً وقبائلَ وأفراداً وجمعيات أمام الطواحين ليستبردوا ؟
سانشو: أجل يا سيدي الدون. وبذلك تكسبُ الثواب من رب العباد .
دون كيشوت: لا أريد ذلك أبداً. فالحر من عند الله. وأنا لا أريد التنافسَ مع أباطرة الحكومات المتعاقبة على مكارم الله. سأترك لهم الثوابَ .
سانشو: وتترك للناس العقاب. أيرضيك ذلك يا سيدي الدون؟!!
دون كيشوت: لا. فثمة من يؤمن بتوفير الحمامات الشمسية للشعب، وما على الدولة إلا أن توفر الشامبو وواقي ضربة الشمس.
سانشو: وكيف للشمس أن تضربَ يا سيدي الدون. أيعقلُ أن تتحدث أنت بمثل هذه الجهالة؟!!
دون كيشوت: لا يأخذك عقلك بعيداً، فتفكر بالضربة القاضية التي تحدث على حلبات المصارعة الحرة.
سانشو: تقصدُ أن أبعدَ تفكيري عن الضربة القاضية في المصارعة، وأفكر بضربة الرمح القاتلة في ساحات وغى مصارعة الثيران؟
دون كيشوت: تماماً. فأنا أريدك كهربجياً يا سانشو.
سانشو: تقصد أن تقتلني بصعقة كهرباء وينتهي الأمر، فأذهب مع الريح كنقطة مشتعلة تطير نحو السماء وهي تبكي مصيرها في زمن انقطاع الوصل الكهروغرامي؟
دون كيشوت: لا تخف من الصاعق ولا من الأسلاك العارية في الشوارع ولا من مولدات الأنوار بأصواتها الشبيهة بمحركات الدبابات المُعطرة بالنفط الأسود، فبناء محطة للنور قد تتطلب قروناً في زمن الأميّة التخطيطية والمصرفية
والإدارية.
سانشو: لقد ضيعتني يا سيدي الدون. وأنا تابعٌ، أبتليتُ بكَ وبطواحينك وحروبك وإفلاسك ومنطقك الخربان. فكلما أستنجدُ بك، سرعان ما تطعنني برمحك الستراتيجي وكأنني أكلتُ لحم التاريخ!
دون كيشوت: لا تقل ذلك عني يا سانشو. فأنا ما زلتُ شريداً لا أعرف الغروب من الشروق، لأن وقتي كان جنازةً، ما زلتُ أمشي خلفها أملاً بالوصول إلى مدفن، لأقبرَ حطامي
وأستريح.
سانشو: ألا تظنن بأن وردةً ستخرج من بين حطامك يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: العراقُ أرضٌ لا تعوّض يا سانشو.
سانشو: حتى بلا ماء ولا كهرباء ولا سينما ولا زرازير البراري أو ما يمكن توصيفهُ بحساب ما قبل القيامة يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: كفّ عن ذلك يا سانشو. ضع على لسانكَ الطويل طناً من الإسمنت المسلّح وابتعدْ عن هذه التداعيات.
سانشو: ومتى تطوّعَ الإسمنتُ بالجيش ليصبحَ مسلحاً بالدبابات والطائرات والصواريخ يا سيدي الدون؟
دون كيشوت: لا تشغلني بهرطقاتك يا سانشو. دعني أكمل قصيدتي عن بيروت.
سانشو: ومتى أصبحتَ شاعراً؟
دون كيشوت: أنا شاعرُ اللحظة. شاعرُ الانفجارات والجلجلة.
سانشو: طيب. سأكفُ عن اشغالك، ولكن قُل لي من يكتبُ الشعر، القلبُ أم العقلُ؟
دون كيشوت: ليس غير القلب التفاحةُ الداميةُ المَدميّة .
سانشو: ولا مكان للعقل من الإعراب؟
دون كيشوت: العقلُ سبورة لتدوين نشاط تلك التفاحة في الحب والأسى. في الشارع وفي السرير. في النبض وفي الاختناقات. العقلُ سبورة لاستعمالات القلبِ في أثناء كتابة الأناشيد والمعلّقات وأضاحي اللغة.
سانشو: ومنْ الأضاحي؟!!
دون كيشوت: الجهلة. أجل. ستُضحي بهم اللغةُ كخراف العيد يا سانشو.