د. ماجد فاضل الزبون
العالم مصدوم منذ سبعة شهور منشغل بأخبار فيروس كورونا التي تتصدر كل وسائل الإعلام، فكثر النقاش والجدل بين من يرى بصيص أمل للقضاء عليه وبين من يوصد كل الأبواب وكأن الأرض ستخلى من ساكنيها عما قريب.
البعض من وسائل الإعلام لم تترك الحديث عن الفيروس لذوي الاختصاص وحدهم، بل فتحت المجال أمام السياسيين وغيرهم ليتحدثوا عنه ويسوقوا لنا رؤيتهم لعالم جديد يبنونه ويؤثثونه على وفق مصالحهم وغاياتهم غير البريئة بالتأكيد. نعم.. الإنسان هو القيمة العليا عند الجميع ومن بينها وسائل الإعلام، لكن المطلوب منها التهوين لا التهويل في زمن الشدة والوهن، فعليها مثلا الامتناع عن نشر الصور والمشاهد المخيفة عن المرضى وعمليات الدفن والمقابر، التي تتنافى ومعايير قيم المهنة، وعليها أيضا تقديم عدد المتعافين من المرض أولا وعدد المصابين ثانيا وأخيرا عدد المتوفين، وهذه مهمة أخلاقية وإنسانية، لكن البعض منها للأسف تتعمد ولعدة مرات بأن تقتصر مانشيتاتها وعناوين أخبارها الرئيسة على عدد الوفيات فقط.!
أما منصات مواقع التواصل الاجتماعي فالحديث يطول فهي المجال الأكثر وباءً والأوسع انتشارا لفيروسات التهويل، ما دفع بالمسؤولين عليها إلى حجب الأخبار والمعلومات الخاطئة والشائعات المغرضة، بعد أن ظهر خبر كاذب مفزع نسبه ناشره إلى علماء من دون أن يذكرهم، توقعوا ومن دون أي بيانات بأن الفيروس سيودي بحياة أكثر من "65" مليون إنسان وحظي بأكثر من "140" ألف مشاهدة، وسبق وأن أعلنت "جوجل" عن أن القراصنة الالكترونيين يرسلون يوميا "18" مليون رسالة احتيال عبر بريدهم الالكتروني أغلبها عن الفيروس.
وإن ثمة ذكرا لتصريحات السياسيين الصادمة فإن تصريح رئيس الوزراء البريطاني يعد وسيبقى الأكثر رعبا حين قال: استعدوا لفراق أحبائكم.!!
لكن الأشد غرابة هو تهديد الرئيس الفلبيني وإصداره الأوامر للشرطة بإطلاق النار على منتهكي الحظر في بلاده، وثمة مفارقة بين الدول ذوات الستراتيجيات السياسية المتباينة، فالرئيس الأميركي وبعد أن ارتدى الكمامة مؤخرا، قام رئيس قسم الأوبئة الكوبي بخلع كمامته، وما تزال الاتهامات بين أميركا والصين قائمة.! أما عن ذوي الاختصاص فنسجل هنا تصريحا لمسؤول في وزارة الصحة العراقية ذكر فيه بأن البلد ما يزال في الموجة الأولى من الفيروس ومن المتوقع تعرضه لموجة جديدة "في ظل عدم توفر العلاج وعدم التزام المواطنين"، لكن هذا المسؤول لم يشر إلى أسباب ارتفاع نسبة أعداد المتعافين منه ولا إلى قلة الوفيات ليزرع الأمل بين مواطنيه، خصوصا وأن منظمة الصحة الدولية أكدت أن "80 %" من المصابين يتعافون من دون الحاجة إلى العلاج، وتحقق هذا على الواقع فعلا في العراق حين تزايدت أعداد المتعافين من المرض، وقلّت أعداد المتوفين منه، ويعد هذا تحولا كبيرا في القضاء على الجائحة والحد منها.
لذا يصح القول هنا، إذا كان البعض يتناسى وظيفته الأساسية ودوره المجتمعي فعليه أن يدرك أن هناك تأثيرا كبيرا ومباشرا للحالة النفسية على صحة الجميع ومن بينهم المصابون بهذا الفيروس الذي يصطاد أصحاب المعنويات الضعيفة، وهذا ما أعلنت عنه معظم الدوائر الصحية العالمية المختصة، فالتهويل الإعلامي أشد خطراً من الوباء نفسه.
نأمل ألّا ينشر الإعلام بكل وسائله ومواقعه ومنصاته فيروسات لا تقل خطورة عن كورونا لنعود من جديد إلى حياتنا الطبيعية كما كنا نعيشها من قبل.