السكن أزمة في الذاكرة!!

آراء 2020/08/18
...

حسين الذكر

كنا قبل تغيرات نيسان 2003 لا نستطيع توجيه النقد او المطالبة المشروعة علنا او سرا، لا سيما ما تعتقده السلطات آنذاك نقدا لها، إذ ان توجيه اللوم حتى من باب لفت الأنظار يعد ممنوعا حد الحرمة التي قد تؤدي الى السجن وحتى مقصلة الإعدام.. تلك حقبة أطلق عليها دكتاتورية.. 
أما اليوم ففضاء الحرية والديمقراطية وسمتها الإعلامية مطلوقة العنان تملأ الفضاء العراقي.. 
الذي بلغ فيه النقد أعلى درجات عنانه بشكل يؤكد حرية الطرح ولو بدرجات بلغت حد الفوضى أحيانا، لا سيما مع ظهور وهيمنة شبكات التواصل والانترنت على الساحة.. إلا أن العلة العراقية ظلت قائمة قبل وبعد 2003، ففضاء الحرية المزعومة لم يحقق الأهداف المرجوة ولم يحل الأزمات.. بعد صم المسؤولين آذانهم عن صوت الإعلام، لا سيما المطلبي المجتمعي وليس الشخصي منه.. مما جعل النتيجة تكاد تكون متشابهة لا فرق بين من يمنع الكلام او لا يسمعه.. كنت أجلس بمكتب صديقي الدلال أقضي بعض الوقت المفعم بسرد وقائع عراقية حزينة جدا تتعلق بواقع أزمة السكن.. ولم تمر دقائق إلّا وأتى أشخاص يسألون عن بيت سكن صغير بخمسين مترا تتوفر فيه أبسط مقومات الحياة شريطة أن يكون سعره مناسبا.. 
وهذه الأزمة لم تكن وليدة اليوم برغم المساحات الواسعة والأموال النفطية الطائلة، إلا أن المشكلة ظلت تتحكم برقاب العراقيين وتقض مضاجع أغلبهم ممن لم تتمكن الحكومات المتعاقبة منذ التأسيس الحديث للدولة عام 1921 حتى اليوم من إيجاد حل لهم... بصراحة يصعب حصر الأسباب والعلل والموانع التي تحول من دون تحقيق ذلك مع توفر الظروف والبيئة المناسبة، إذ على ما يبدو أن أجندة خارجية تمنع ولادة أي حلول جذرية.. كي تبقى الأزمات تتفاعل بشكل سلبي يعكس آثارا مجتمعية خطيرة تضرب صميم الواقع 
وتشله.. 
قبل أشهر أتيح لي لقاء أحد أعضاء مجالس المحافظات بساعة إعلامية سنحت فيها إمكانية سؤاله عن سبب عدم تخصيص أراضٍ للمواطنين والأندية الرياضية بما يمكن توظفيه للصالح العام، فقال: (هناك الكثير من المعوقات القانونية تحول دون توزيع الأراضي ليس للملاعب فحسب .. بل إن الأزمة الضاربة لا نستطيع حلها لأن الإجراءات والمركزية ... تمنع ذلك، فهي تغل يد المحافظين ولا تعطي حرية مناسبة للحركة والعمل بما يؤمن الحلول في محافظاتهم إلا عبر المركز، وما يكتنف ذلك من روتين وتعطيل وربما تمييع 
وتنييم). 
سمعتُ وقرأتُ بفخر أن محافظة واسط ستباشر بتوزيع عشرة آلاف قطعة أرض سكنية الى المواطنين بشكل عملي لا يمكن أن يتجاوز مدة شهر للشروع بحل الأزمة هناك .. هذا الخبر - إن صح وتمكن من عبور قوى الفساد والتعطيل - فإننا ينبغي أن نسير باتجاه حل جذري للأزمة من دون انتظار فكل المحافظات العراقية تتوفر فيها الظروف المناسبة والأراضي وحسب الحاجة الفعلية لننهي الملف ومعه عشرات الامراض الاجتماعية المرتبطة به.. 
فإن عدم امتلاك مواطن لدار سكنية في بلده وبين أهله حتمي التاثير حتى على إحساسه وانتمائه.. هنا لب وجوهر قضية الحضارة لجميع الملفات المعطلة من عقود.. وليس لأزمة السكن فحسب..