خضير الزيدي
يكتسب كل فن قائم بيننا أهميته من رسالته، من منطق فكرته وإمكانية تأسيس صياغته بالشكل الملفت، كل فن هو نظام بصري قابل للتعاطف والتذوق أو الرفض والاستهجان، ومن يدرك أنظمة فكرته سيذهب لمنطق الوقائع فيه وما تخفيه إشاراته وما يعلنه مدلوله، الفن ليس موضوعا سرديا إنه معادلات حسية وبصرية وتساؤل يفترض بأنه يستند إلى شرط الجمال وأصعب ما يعانيه الفنان، كيف يوفر لاسمه أسلوبا يتسم بالتفرد؟، وهذا محور ما نبحث عنه في هذه الورقة.. لا تخلو اغلب الأعمال الفنية من مرجعية وتأثير واضحين في معالم إعادة الرسم وباقي الفنون ولكن قيمة تأثرها لم تكمن بالموضوع من حيث الانطلاق الملتزم ثمة تشويه ومحو للشكل يضعّف من لوحة الفن وغايته وهذا يفضي بنا إلى طرح عدة تساؤلات؟ لماذا تتكرر الأعمال الفنية بصياغات ثانية؟ لِمَ كل هذا التشابه في طريقة التلوين والفضاء والوحدات الصورية وطابع التشخيص الساذج؟ أين الأسلوب المتفرد لصاحبه، هل توجد في الفن أخلاق تعلو من شأن صاحبه؟ لنعترف أن فن الرسم بدأ عشوائيا اليوم لم تظهر لنا وسائطه أفكارا تلهب حماسنا لم
نجد صعوبة في أداء الفنان لينقل لنا فكرة الرسم وتراكيبها، كم من فنان يراوغ ليضعنا أمام لوحة تمثله لكنها في الحقيقة عمل هجين متوتر يكشف حقائق خادشة للحياء لهذا لا يبدو عليه أنه يمثل التفكير الحي، لنعترف بأن صناعة العمل تنتج لنا سيلا من المؤثرات أبسطها الذهاب للإحساس بجاذبية فنانها، قيل سابقا أن البحث عن الأسلوب صعب، لكن هذا التعقيد لايعني أن يقود إلى الاستنساخ، رصانة الأسلوب جاءت من صفاء الفكرة، من عقل يفكر ويبتكر، أما الاستنساخ فهو مسار سهل يرتكز على خيانة العقل وضعف الضمير، هل يمتلك اللص ضميرا؟، المهيمنات الأسلوبية في الفن قادت للتأثير المباشر وأسفرت عن نتاج فني ملتبس يقف وراءها الجانب النفسي، الاستجابة في هذا الأمر تعتمد على ما ينطبق من خطوات ولكنها خطوات تبقى غير واثقة من وصولها إلى الإثارة. فلنكن صريحين، عدم الركون إلى الاستقرار في أسلوب مميز يكشف عن قصور في الوعي وغياب لاستقرار نفسي، عند الفنان وهذا سيقود لغياب الشعور بالمسؤولية، ومن هنا لا نجد خبرة في الفن ولا موضوعا مدهشا، إننا نبحث عما يثيرنا من تفكير يحيي الفن ويعطيه زخما معرفيا فتنطبق مسؤولية الفن على صاحبه.. لنعد ثانية إلى الأسباب الأخرى التي تحد من الفن ألا نتفق معا على أن التنافس غير الطبيعي بين الفنانين سيفضي إلى إيجاد أعمال فنية تتكرر بدوالها ومدلولها وستحمل أية لوحة طاقة إيحاء لكنها تستعصي على الفهم لعدم الارتكاز على جدلية بحث جمالي وفني واضح، أليس الشكل الفني ذو سمة دلالية؟ فكيف إذا أعيد إنتاجه بعقل ووجدان يسفّهان من قيمة المتلقي ولا يعيران للنقد مكانة تذكر، قد يقودنا هذا الأمر إلى تساؤل عن القيمة الأخلاقية التي يحملها الفنان، هل هي في صدد الغياب؟ هذا أمر جلي وواضح أمامنا بعد أن رأينا عشرات الأعمال تعلن عن سفاهتها هذا المنطق له معنى واحد. لنعلنه هنا، لا يوجد حرص على اكتشاف طرق جدية في الفن، وكأن الفنان أعلن إفلاسه من ابتكار الأسلوب المميز والمثير، ما عادت قيمة للتكنيك والمهارة بعد أن تغير خطاب الفن،
خاصة إذا ما علمنا أن هذا الأمر انتهى في أوربا ودول أخرى، جاءت طرائق وأفكار تعبث في عقل ووجدان المتلقي وتجاوزت مفاهيم الحداثة وما بعدها وانتصرت لفكرة وجودها البصري، وترك لمتلقي الأعمال أن يعتمد التأويل، وهو ما فرض علينا متابعة منهج الظاهراتية في الرسم، واحدة من الأسباب التي نجملها هنا في عدم وجود أسلوب يتبعه بعض فناني الرسم يكمن في ما عملت عليه منظومة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والثقافي وسرعتها إذ سهلت انتشار أكبر عدد من اللوحات التي يعرضها الفنان أمام أصدقائه ويتلقف لاستنساخها الآخرون، وبالنتيجة سيفتقد العمل لأي انسجام بصري وسيمثل حالة امتداد لا توجد فيه خلاصة جمالية تعلن عن مؤثرها وأدائها، ولكن ما الحل؟ إنه الوعي والمتابعة وتعدد المحاولات، فك شفرات المفاهيم والابتعاد عن الإيهام غير المبرر في العمل، التفكير بالفن الخالص وإزالة شوائب النفس الأمارة بالتأثر والانتحال والإخلاص لعمل ذي جمال يناور خارج حدود الذات، كل هذه وغيرها تجدي نفعا وتظهر عملا يضفي التنوع، وستكون اللوحة مظهرا يحمل بعدا تعبيريا ..لكن للأسف مع من نتحدث ومن يصغي؟.