المسؤولية القانونيَّة للشخصيات المعنوية في القانون العراقي

آراء 2020/08/19
...

القاضي   كاظم عبد جاسم الزيدي 
 
 
  نتيجة للتطور الحاصل في المجتمعات البشرية والعلاقات الاجتماعية ظهرت مؤسسات و شركات تقوم بتقديم مختلف الخدمات الاجتماعية و الاقتصادية و الخدمية مقابل أجرة تتقاضاها من المنتفعين بهذه الخدمات و تتكون هذه المؤسسات من مجموعة من الشخصيات و لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشخصيات المكونين لها كما أن الدولة نفسها أخذت تقوم بانشاء و ادارة بعض المرافق العامة الانتاجية و الخدمية
لذا كان لابد أن يحتوي القانون هذه العلاقات بغية تنظيم أعمالها وقد نص القانون المدني العراقي رقم (40 ) لسنة 1951 على مفهوم الشخصيات المعنوية حيث نصت المادة (47 ) منه بان الشخصيات المعنوية هم الدولة و الادارات والمنشآت العامة التي يمنحها القانون شخصية معنوية مستقلة عن شخصية الدولة بالشروط التي يحددها و الالوية و البلديات و القرى التي يمنحها القانون شخصية معنوية بالشروط التي يحددها و الطوائف الدينية التي يمنحها القانون شخصية معنوية بالشروط التي يحددها و الاوقاف و الشركات التجارية و المدنية الا ما استثنى منها بنص في القانون و الجمعيات المؤسسة وفقا للاحكام المقررة في القانون وكل مجموعة من الشخصيات و الاموال التي يمنحها القانون شخصية معنوية ووفقا للقانون المدني العراقي يكون لكل شخص معنوي ممثل يعبر عن ارادته ويتمتع الشخص المعنوي بجميع الحقوق الا ماكان ملازما لصفة الشخص الطبيعي و له ذمة مالية مستقلة و له حق التقاضي و له اهلية الاداء في الحدود التي بينها عقد انشائه و التي يفرضها القانون و له موطن و يعتبر موطنه المكان الذي يوجد فيه مركز ادارته و الشركات التي يكون محلها الرئيس في الخارج و لها أعمال في العراق يعتبر مركز ادارتها بالنسبة للقانون الداخلي المكان الذي فيه ادارة أعمالها في العراق، فالشخصية المعنوية تتكون من تجمع شخصيات أو أموال لغرض تحقيق هدف معين انشئت من أجله تلك الشخصية و يحدد القانون طبيعة تلك الشخصية و طريقة تأسيسها و النظام الداخلي لها و  يكون لتلك الشخصية ممثل يقوم بمباشرة أوجه النشاط المختلفة الخاصة بها وتخضع الشخصيات المعنوية العامة الى قواعد القانون العام، أما الشخصيات المعنوية الخاصة فتسري عليها أحكام القانون الخاص و الشخصيات المعنوية العامة تقوم باعمال تتعلق بالمجتمع و تهدف الى تحقيق المصلحة العامة مثل الوزارات و المحافظات و البلديات و المصارف أما الشخصيات المعنوية الخاصة فهي الشخصيات القانونية التي لا تتبع للقانون العام بل تخضع للقانون الخاص و تلك الشخصيات يكونها الافراد لتحقيق ربح مادي أو غير الربح المادي كالشركات التجارية و المدنية لتحقيق أهداف خاصة و أن ما يميز الشخصيات المعنوية العامة عن الشخصيات المعنوية الخاصة ان الشخصيات المعنوية العامة لها  سيادة و حقوق السلطة العامة و يمنحها القانون الشخصية القانونية بحيث يخضع تنظيمها لقواعد القانون الاداري وانها تعمل لمصلحة المجتمع و تمارس سلطات وواجبات غرضها تحقيق الصالح العام و ان الشخصيات المعنوية أصبحت عصب الاقتصاد و لما كان القانون يهتم بالحقوق و الواجبات، فالشخصية للانسان هي نسبة صلاحيته لثبوت الحقوق له و ثبوت الواجبات و الالتزامات عليه لان خواص الانسان القانونية لا تتوافر بدرجة واحدة عند كل انسان فبينما يتمتع الانسان البالغ الرشد بالشخصية القانونية و لكن تضعف كثيرا عند الصبي و السفيه و تضعف كثيرا عند الصبي غير المميز و المجنون يعد كائنا قائما بذاته و استجابة لضرورات التنمية الاقتصادية و التطور التجاري في العالم كان لا بد من وجود الشخصية المعنوية و ان الاعتبارات الاجتماعية و الاقتصادية و المالية دعت الى الاعتراف بالشخصية القانونية لغير الاشخاص الطبيعيين اما مجموعة من الافراد او مجموعة من المصالح  و من هنا جاءت فكرة الشخصية الاعتبارية أو المعنوية و بالتالي فان الشخصية المعنوية هو مجموعة شخصيات أو مجموعة أموال تتكاتف أو تتعاون لتحقيق غرض أو هدف و بالنظر للطبيعة الخاصة للشخص المعنوي باعتباره كائنا غير ملموس يتكون من مجموعة من الاشخاص الطبيعيين يعبرون عن ارادته و يقومون بتنفيذ أعماله سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة و ان اسناد الفعل الجرمي للشخص المعنوي  يقتضي معرفة الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة و ما اذا كان يملك التصرف باسم الشخص المعنوي و قد أقر المشرع العراقي المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي حيث نصت المادة ( 80 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على أن  :  (  الشخصيات المعنوية ، فيما عدا  مصالح الحكومة و  دوائرها الرسمية و شبه الرسمية مسؤولة جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها أو مديروها أو وكلاؤها لحسابها أو باسمها و لا يجوز الحكم عليها بغير الغرامة و المصادرة و التدابير الاحترازية المقررة للجريمة قانونا فإذا كان القانون يقرر للجريمة عقوبة أصلية غير الغرامة أبدلت بالغرامة و لا يمنع ذلك معاقبة مرتكب الجريمة شخصيا بالعقوبات المقررة للجريمة في القانون )  و يجب لقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أن تكون الجريمة وقعت لحسابه و ان الخصوصية التي تميز الشخص المعنوي تقتضي اقرار نظام جزائي مغاير للجزاءات المعتمدة للشخص الطبيعي ووفقا للقانون العراقي لا يجوز الحكم على الشخص المعنوي بغير الغرامة و المصادرة و التدابير الاحترازية و الغرامة هي التزام المحكوم عليه بان يؤدي لخزينة الدولة مبلغا من النقود و تتميز العقوبة المالية بانها أنسب الجزاءات لطبيعة الشخص المعنوي و ان تطبيقها يتناسب مع خطأ الجاني و تحقق دخلا للدولة أما بالنسبة للعقوبات الاخرى الذي نص عليها المشرع العراقي للشخص المعنوي و هي المصادرة و هي نزع ملكية المال جبرا عن صاحبه و اضافته لملك الدولة و هي تشمل العقارات و المنقول و غلق المحل و كذلك من العقوبات المنصوص عليها بحق الشخص المعنوي وقف الشخص المعنوي و حله و هي منع ممارسته لاعماله وحل الشخص المعنوي يستتبع تصفية أمواله و منع المحكوم عليه من مزاولة نشاطه و للمحكمة أن تأمر بوقف الشخص المعنوي لمدة لا تقل عن ثلاثة اشهر و لا تزيد على ثلاث سنوات اذا وقعت جناية أو جنحة من أحد ممثليه أو وكلائه باسم الشخص المعنوي أو لحسابه و حكمت عليه من اجلها بعقوبة سالبة للحرية لمدة ستة أشهر فأكثر و اذا ارتكبت جناية أو جنحة أكثر من مرة فللمحكمة أن تأمر بحل الشخص المعنوي و ان مسؤولية الشخص المعنوي لا تخل بمسؤولية الاشخاص الطبيعيين أي أن المشرع العراقي يأخذ بمبدأ ازدواجية المسؤولية أي مسؤولية الشخص المعنوي و الشخص الطبيعي عن الفعل الواحد و ان المشرع العراقي نص على مسؤولية الشخص المعنوي الخاص و ليس مسؤولية الحكومة كون مسؤولية الشخص المعنوي العام هي العمل للصالح العام ، فهي ليست مسؤولية جزائية و انما مسؤولية مدنية وفقا لاحكام القانون المدني العراقي، أما بخصوص مسؤولية الشخص المعنوي في مرحلة التصفية فلا يترتب على حل الشخص المعنوي مباشرة اختفاء هذا الشخص المعنوي على الرغم من قرار الحل الصادر من الجهة المختصة فانها تظل قائمة لتلبية احتياجات التصفية التي قد تأخذ وقتا طويلا فاذا ارتكبت جرائم باسم الشخص المعنوي و هو في مرحلة التصفية تبقى مسؤوليته الجزائية وفقا لاحكام القانون العراقي و لا يمكن تصور حبس الشخص المعنوي حيث يتم استبدال عقوبة الحبس بالغرامة و حسنا فعل المشرع العراقي بمسؤولية الشخص المعنوي جزائيا نظرا لاهمية هذه الشخصيات و خطورة الدور الذي تؤديه في الحياة المعاصرة و لكن يجب إعادة النظر في مسؤولية الشخصيات المعنوية وفقا لاحكام القانون المدني العراقي خصوصا في ظل التطور الحاصل فلم يعد هناك مفردة لواء و إنما أصبحت محافظة و الكثير من الامور القانونية قد توسعت في إطار أهلية الخصومة في مؤسسات الدولة و قد أصبحت ظاهرة الشخصيات المعنوية ظاهرة ملموسة تلازم الحياة العامة و  الناس بحاجة اليها لتحقيق مصالحهم .