المراجعة

آراء 2020/08/19
...

شمخي جبر
المراجعة لمن؟ مراجعة المواقف من اجل تطويرها ومغادرة حالة الثبات، إذ إن الديناميكية بوابة التطور والاستيتاكية مغارة السكون والركود... بعضهم يدخل هذه وغيره يدخل تلك ،انت تختار بوابتك  لتراجع  او تعلن ثباتك،الثبات احد اعراض المرض وربما الفناء. والمراجعة مواجهة مع الذات وعقلها ومتبنياتها ومراجعة ونقد هذا العقل ومتبنياته .
الحديث هنا عن برنامج (المراجعة، حوار بين العلمانية والدين )الذي يقدمه الاعلامي سعدون ضمد على قناة العراقية والذي اثار جدلا واسعا وحرك ساكنا ثقافيا وسياسيا،وان لم تكن للبرنامج من فضيلة سوى هذا لكفاه. حسنا فعل معد ومقدم البرنامج في ادارة تنوع الضيوف وتعدد مشارب الفكر والمواقف فهذا يغني الحوار والمراجعة.
فرحب من رحب وامتعض من امتعض او اعترض من كلا المعسكرين (العلماني والاسلامي) اذ ان التطرف لايقتصر على طرف بعينه كما رصدنا، ورفض الحوار والتمسك بالافتراق والتباعد والقطيعة موجود هنا وهناك.
والمتطرف (الذي يعتقد انه يمتلك الحقيقة المطلقة هو انسان شديد الخطر لانه يرفض الحوار مع الاخرين ولا يأخذ بعين الاعتبار حقائقهم وعقائدهم وبالتالي حرياتهم على ضوء الشك بحقيقته هو).
لا يذكر التطرف الا وتذكر معه الوسطية ،اذ قيل كل الخير والبركات في الوسط والوسطية،وهي منطقة التقارب وربما اللقاء ...وهنا يتم العثور على المشتركات او تأكيد وجودها لمن يصر على نفيها.
البعض ينظر الى العلمانية والدين على انهما معسكران او فسطاطان، واخرون يقولون انهما خطان مستقيمان لا يلتقيان، لكن البحث عن المشتركات يجعل اللقاء ممكنا، في الافتراق لا مشترك وفي اللقاء المشتركات .
فمن يذهب الى جهة المشتركات؟(ان لم يكن لك اخ في الدين فهو نظير لك في الخلق)،وهذا رد حاسم وقاصم لمن ينفي وجود المشتركات، فهنا يظهر التنوع والتعدد وهو سنة الهية. 
والمشكلة هنا ليست في التنوع بحد ذاته ، اذ يمكن ان لايعد واقعا سلبيا وعامل ضعف في الواقع المجتمعي لو تمت ادارته بحكمة وانسانية من خلال التأسيس لمبدأ المواطنة الذي يتساوى من خلاله الجميع في الحقوق والواجبات ، فتتحقق المشاركة السياسية والثقافية والاقتصادية للجميع بغض النظر عن انتمائهم .
حسن ادارة التنوع ورعايته يوفر الاستقرار والامان للفرد والمجتمع، اذ يقول امين معلوف (إن المواجهات التي يتعرض لها الفرد بسبب أحد عناصر هويته أو بعضها، عامل رئيس في توليد الشعور بالخوف لديه), ويرى عالم النفس اريك فروم: ان فقدان الذات واحلال ذات اخرى مكانها، يدفع الفرد الى حالة من انعدام الاطمئنان، فالشك يلاحقه اذ انه اساس مرآة لتوقعات الاخرين منه، بينما هو فقد هويته الى حد كبير، وفي سبيل تجاوز الهلع الناتج عن خسارة الهوية هذه، نراه مضطرا للبحث عن هوية ما من خلال قبول واعتراف مستمرين به من قبل الاخرين.
الحوار احد مستلزمات رعاية التنوع والتعدد الهوياتي ، ولكن هناك مخاوف على طريق الرحلة نحو الحوار  رحلة المراجعة والتعارف ،فالحوار يعني التعارف بدل القطيعة والعداء ،رحلة شاقة ولكنها ليست مستحيلة في ظل وجود نوايا التواصل.
وهذه العملية تعني مغادرة لحظة بناء الجدران نحو لحظة حضارية اكثر تمدنا وهي لحظة بناء الجسور وان كان بناء الجسور يحتاج الى تكاليف اكثر وتقنيات اكثر تطورا  من بناء الجدران.
يشكل الاعلام الجزء المهم والابرز  والاكثر تأثيرا من المجال العام كما يسميه هابرماس ... لهذا لا بد ان يشغل بالحوار وهو احد اهم اهداف الاعلام الديمقراطي واعلام الدولة هو الرائد في تبني هذا الهدف كما نرى ونفهم.
بقى ان نقول: على الاغلب لا اهمية للحوار بين المتفقين في الرؤى اذ ينتفي هدفه وفائدته، اذن الحوارات المهمة والمنتجة تتم بين المختلفين.
ملاحظة اخيرة ،اذا كان العلمانيون يتهمون الاسلاميين بأنهم يرفضون أي صوت يخالفهم فانهم ركبوا ذات المنهج بعد عرض حلقة الشيخ عامر الكفيشي، لانه اسلامي مع تحفظي على بعض طروحاته الحادة والفتوائية.