عفاف مطر
في هذه المقالة قراءة موجزة لكتاب sapiens a brief history of humankind، العاقل- تاريخٌ موجز عن الجنس البشري للمفكر والاكاديمي يوفال نوح هراري. الكتاب وعلى الرغم من تطرقه لنظريات علمية؛ إلا أن كاتبه يشرح وجهة نظره نحو تطور البشر من زاوية فكرية قد تبدو للكثيرين صادمة. أثار جدلاً واسعاً، وبغض النظر إن كان قارئه مع أو ضد بعض ما ورد فيه؛ إلا أنه يوفر كماً ثقافيا وعلمياً واجتماعياً للقراء فضلا عن أنه كتابٌ مسلٍ ويوفر معلومات جديدة ويربط بشكل علمي واجتماعي مراحل تطور الـ sapiens
عبر التاريخ.
الـ sapiens أي العاقل، ويقصد هنا الجنس البشري (الإنسان). يرى يوفال أننا واحد من ستة أنواع من (العاقل) لكنه لم يبقَ منهم سوى جنسنا البشري. يعرض الكتاب مسيرة سبعين ألف سنة من تاريخ البشرية عبر المنهج التاريخي لتطور الانسان المعاصر، ويوفر زخماً هائلاً من المعلومات منذ الثورة المعرفية الى الامبراطورية وصولا الى العولمة وينهي الكتاب بتنبوء خاص لما بعد العولمة. وهو يدمج بين المنهج
العلمي والتاريخي.
الهدف من الكتاب تشجيعنا على قراءة مستقبلنا عبر معرفة ماضينا في ظل تطوير البشرية الدائم لقدراتها
وأدواتها. الكتاب يشرح كيف استطاع الانسان السيطرة منذ سبعين ألف سنة على العالم؟ هنا وقبل أن أكمل؛ أودُّ أن أوجه رسالة الى كل من لا يؤمن بنظرية التطور أنه لا بأس من قراءة الكتاب، لأنه يوفر الفائدة والمتعة، فهو يعطي فكرة مثلا عن كيف استطاعت الثورة الزراعية والصناعية تغيير مسار التاريخ البشري؟ يشرح يوفال كيف استطاع الـ sapiens السيطرة على الارض عبر مزايا غير متكافئة ولا عادلة مقارنة بأجناس أخرى؛ وضرب مثالاً في ذلك: لو وضع رجل واحد وشمبانزي واحد على جزيرة معزولة عن العالم فأي منهما قادرٌ على البقاء أكثر من الآخر؟ ويجزم يوفال بأن بداياتنا على الارض لم تكن ذات أهمية أبداً، حتى أنه يشبه تأثيرنا كبشر في بدايات الحياة على الأرض بتأثير قنديل البحر الآن
على حياتنا!
يوفال يصدم القارئ بأن الكثير من المفاهيم التي نؤمن بها الآن مثل المساواة وحقوق الانسان والاقتصاد... إلخ ليست سوى خرافات ويستدل بذلك على أن صراعاتنا السابقة كلها كانت لأننا لم نستطع أن نوفق بين مفاهيمنا وقصصنا ومعتقداتنا مع الآخر.
يرى يوفال أن تاريخنا كجنس بشري لم يكن جيداً ولم يكن سيئاً أيضاً وتقلباته ليست لها علاقة بسعادتنا، ويستدل مرة أخرى بأن لو أن التطور له علاقة بسعادتنا، كان لزاماً ان نكون أكثر سعادة الآن من أي وقت مضى في ضوء التطورات الهائلة التي حصلت ومازالت تحصل على المستوى العلمي والمعرفي والتكنولوجي والتعليمي، إلا أن يوفال يؤكد أن من سبقونا كانوا أكثر سعادة منا، ويعلل ذلك بأن معظم الامتيازات وثمار التطور الانساني تصب في جيوب القلة القليلة جداً من الرجال البيض وأن النساء وباقي الألوان ليس لهم نصيب حقيقي منها، والدليل على ذلك أن مستواهم المعيشي مازال يراوح في مكانه وتبدو سعادتهم صعبة المنال. ويعزو يوفال تطور البشرية الى أهم اكتشاف وهو النار، إذ اتاحت النار وطهو الطعام الى تقصير طول الامعاء على حساب كبر حجم الدماغ (اتحدث عن حجم الدماغ وليس الجمجمة) ويصف يوفال الثورة الزراعية بأنها أكبر عملية احتيال للانسان، لأنه كان يكتفي بقطف ثمار التين من الشجرة، لكنه يسأل: كيف فكر بجذور الشجرة؟ كان يكتفي بأكل الخروف، لكن كيف فكر برعي الخراف؟ وهذا بمجمله أدى الى ثمار ولحوم أكثر. هذا التفكير الذي قاد الى الثورة الزراعية هو البداية الحقيقية للـ sapiens، وحصل ذلك أول مرة في جنوب شرق تركيا وغرب ايران وبلاد الشام قبل تسعة آلاف سنة تقريباً، هذه الثورة أدت الى انفجار سكاني أدى بالضرورة الى ظهور النخبة من جنسنا
البشري.
بعد الثورة الزراعية ظهرت الامبراطوريات على أيادي محامين أثرياء عبر نشر معايير مجتمعية (الاخلاق، الاقتصاد، السياسة، الاساطير، الخرافات، القوانين... الخ) ولكي يحافظ الجنس البشري على بقائه لا بد من الايمان بهذه المعايير التي يعدها يوفال أنها لا تتعدى الخرافات أو (نظام متخيل) ثم ينتقل للحديث عما أسمّاه بالذاكرة الزائدة ويقصد بها التدوين والكتابة، وينهي الكتاب بتوقعه بنهاية الجنس البشري الذي استعاض بالتصميم الذكي عن الانتخاب الطبيعي عبر التلاعب بالـ DNA والخلايا الجذعية، يتوقع أن طبقة الاثرياء الحالية يمكن أن تخلق المزيد من عدم المساواة عبر استفرادها بالهندسة الطبية
والتكنولوجية.
ينهي يوفال كتابه بسؤال: ماذا نريد أن نكون؟ وماذا نريد أن نصبح؟ الكتاب عميق ومهم ومفيد جداً ويثير غريزة التفكير وطرح الاسئلة وإعادة النظر في الكثير من معتقداتنا ومعلوماتنا أيضاً ونظرتنا عن أنفسنا كـ sapiens.