مشهد الطائرات الرابضة في كل مطارات الدنيا، يشير إلى ان خسارات فادحة سيتعرض لها قطاع الطيران في العالم ، يقدرها المختصون بنحو200 مليار دولار، وهو رقم مرشح للارتفاع، ما يعني أن احتمال افلاس كبريات شركات الطيران العالمية وارد جدا، يضاف إلى ذلك مشهد تحول عواصم عالمية كبرى، معروفة بضجيجها وضخامة الحركة الاقتصادية والتجارية فيها، إلى مدن اشباح، وقد توقفت جميع تلك الأنشطة فيها بين عشية وضحاها.
هذا المشهد الحزين وغير معلوم النهايات يشي بأن العالم سيكون أمام تحولات اقتصادية هائلة، وهذه التحولات لا تقتصر على انكماش اقتصاد هذه الدولة وإفلاس تلك الشركة، إنما سنكون أمام تغيير في الأنظمة الاقتصادية التي تحكم العالم بأسره، فإذا كان حجم خسائر قطاع الطيران وحده تتجاوزالـ (٢٠٠) مليار دولار، قابلة لأن تتضاعف في مقبل الايام والأسابيع ، فلنا أن نتخيل حجم الخسائر الهائلة لباقي القطاعات الاقتصادية، التي ضربها فيروس كورونا المستجد ضربة قاصمة، فضلا عن الخسائر البشرية المتمثلة بوفيات الآلاف، وهذه الخسائر لن تقدر بثمن على الإطلاق.
وبصريح العبارة، ان وباء كورونا، سيكون عتبة فاصلة بين مرحلتين، ونظامين اقتصاديين يختلف احدهما عن الاخر، فماذا نحن فاعلون ازاء هذه التغيير في المشهد الاقتصادي الذي سيشهده العالم عاجلا، وقد بدأت الحكومات باتخاذ الإجراءات التي تجد أنها تستطيع من خلالها مواجهة الأزمة، على المديين القريب والمتوسط.
أما البعيد، فلا احد يستطيع التفكير به حالياً ، بعد ان تمكن كورونا من ضرب منظومة التفكير الاقتصادي، في بلدان، كانت تتباهى، بأن لديها اقتصاداً امنا متينا، لايمكن لأي هزة ان تؤثر فيه، ولكن عندما جاء كورونا فقد تغير المشهد بالكامل وأصبحت التوجهات العالمية تنحو باتجاه اعادة تقييم اصولها الاقتصادية، في محاولة لرأب الصدع ومواجهة جائحة كورونا، إضافة إلى إجراءات أخرى لعل من بينها طبع المزيد من العملات، كما أعلن الرئيس ترامب، انه سيأمر بطبع اكثر من ترليوني دولار، لمعالجة واقع الحال .إذاً، كيف سيكون حال الاقتصاد العراقي، وهو الاقتصاد المتلقي وليس الفاعل، وإذا كانت ثمة فعالية، فإننا نتحدث عن تصدير النفط ، وهذه الخاصية ، هي الأخرى فقدت جانبا من تأثيرها، بعد تهاوي الأسعار بنحو مثير للقلق، صحيح إن العراق سبق له أن مرَّ بأزمة انخفاض الأسعار عام 2014 ، وتجاوزها، بجملة المعالجات، بعضها ترك اثارا سلبية على الواقع الاقتصادي ، أما الوضع الآن فيبدو أنه مختلفا، لأننا أمام أزمة اقتصادية عالمية شديدة الوطأة
وهنا قد يكون تفكيرنا محصورا في كيفية تجاوز المشكلة خلال العام الحالي، وهذا هو المنظور من المشكلة، نقول نعم، دعونا نفكر في عبور عام 2020 ، وخلال عبورنا نفكر ونضع الحلول للأعوام المقبلة تتماهى مع التغييرات التي سيشهدها العالم، والتي في مقدمتها تغيير الأنظمة الاقتصادية السائدة، بأخرى جديدة قد تكون مختلفة كلياً عن الموجودة الآن .
اما حلول العبور فيمكن اجراء جردة حساب، لجميع عقارات الدولة، فهي تمثل مصدرا لايستهان به لتوفير موارد مالية مناسبة، أضف إلى العمل على مراجعة واقع الأصول الثابتة للدولة، وإمكانية ترشيقها بنحو يتناسب والظروف الراهنة، يرافق ذلك تقنين الكثير من النفقات والاكتفاء بالضروري والأساسي منها، كما يمكن الحديث عن وضع موازنة برامج واداء، بدلا من موازنة البنود، من دون أن ننسى تضمينها تخصيصات مالية مناسبة لمواجهة وباء كورونا وتداعياته .
فإن تمكنا من تجاوز أزمة 2020 ، وانتهينا من وباء كورونا، سنكون قادرين على وضع الحلول البعيدة، شريطة الاستعانة بالعقول الاقتصادية الفعالة ، والافادة من التجربة العالمية في هذا المجال ، ومن المؤكد أننا سنكتشف مسارات غير تقليدية ولا علاقة لها بالنفط، توصلنا الى بر الأمان الاقتصادي.