الأحرار الحسينيون والانقلاب على الباطل

آراء 2020/08/23
...

د. محمد فلحي
في ثورة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ثمة قصص ورجال ومواقف تاريخية ودروس خالدة، ستظل شاخصة طوال مسيرة البشرية، ومن أبرز تلك القصص ينبغي أن نتذكر المواقف التي رافقت التحول من خندق الكفر إلى خندق الإيمان، وسط ظروف قاسية، وقد كان الاختيار صعباً، والتحول مصيرياً، وكان رفض الباطل والالتحاق بركب الحق الحسيني نوعاً من الشهادة السامية التي لم تنصفها كتب التاريخ حتى اليوم، وكان من المفترض إبرازها لكي تستنبط منها الأجيال قيم البطولة والحكمة في لحظات صحوة الوعي ويقظة الضمير، ومن ثم الانقلاب الخطير الحاسم ضد الباطل!
حياة الانسان موقف، وهناك صراع قاتل في ظل الاختيار والمفاضلة بين العدل والظلم..ولكل موقف ثمن،ولكل اختيار ظروف ونتائج، في معركة أزلية مستمرة لا تنتهي،حيث تظهر النفوس على حقيقتها، وتتمايز ثلاثة مواقف:
1 - أهل الحق والإيمان والعدل، وهم أقلية مع الأسف لأن الباري عز وجل يقول:(وأكثرهم للحق كارهون).
2 - أتباع الباطل والظلم والطغيان، الذين ارتضوا ذل الدنيا ولذتها، فوقفوا مع الظالمين أما طمعاً أو خوفاً أو جهلاً، وما أكثرهم في زمن الإمام الشهيد الحسين عليه السلام، وما أكثرهم اليوم!
٣- الفئة الثالثة:المتخاذلون الصامتون الخائفون من بطش الظالمين وغدرهم فقد ارتضوا الذل والمسكنة، وقد ظنوا أن الظلم دائم،وأن ثمن نصرة الحق فادح، وأن رد الباطل لا يستحق المقاومة والمجازفة،فهم في عيش البهائم سارحون وراء المأكل والمشرب المر!  نستطيع أن نتذكر بإجلال تلك المواقف الخالدة التي أصبحت عنوان الرجولة والبطولة والشجاعة والحكمة، ونشير هنا إلى موقف الحر بن يزيد الرياحي الذي كان من زعماء الكوفة المشهورين، وقد أرسله الملعون عبيد الله بن زياد والي الكوفة الأموي لملاقاة ركب الإمام الحسين في وسط الصحراء، ومتابعة مسيرته الى أرض 
كربلاء!
 كان الحر الرياحي يقود جيشاً من رعاع السلطة الظالمة،وقد راح يتابع الحسين ويراقبه ويضايقه ويحاول منعه من الوصول إلى الكوفة،وفي لحظات قلق هائل وصراع نفسي رهيب، جاء الإنقلاب المدوّي، في تلك الليلة الفاصلة، وتم حسم الاختيار بين الحق والباطل، وخاصة بعد الاستماع إلى خطبة الإمام الحسين عليه السلام، التي قال فيها:" ألا وإنّ الدّعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتَين؛بين السّلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وانوف حميّة ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الاسرة على قلّة العدد وخذلان النّاصر".
انتفض ضمير الحر، وأعلن الفارس انحيازه للحق، وقرر الوقوف في صف الحسين حتى استشهد بين يديه كريماً عزيزاً في يوم عاشوراء!
الحر الرياحي مات حراً، وأصبح اسماً على مسمى، وهناك أسماء سطرت مواقف مشابهة خالدة لا تنسى في ثورة الحسين، وتفيد رواية ذكرها السيد بن طاووس(ت 664 هـ) في كتابه (اللهوف) أن عدد الذين انتقلوا إلى صف الحسين يبلغ اثنين وثلاثين رجلاً، بينما ذكر ابن نما الحلي(ت 645 هـ) في كتابه (مثير الأحزان) أن جماعة من عسكر عمر بن سعد قد جاؤوا إلى معسكر الحسين، دون تحديد عدد هذه الجماعة،وفي كتاب (قصة كربلاء) نقلاً عن موسوعة(أعيان الشيعة) للسيدين محسن وحسن العاملي، وغيره من كتب المقتل، يمكن تتبع أسماء الشهداء الذين انتقلوا إلى المعسكر الحسيني، ومن أبرزهم علي بن الحر الرياحي، والحارث بن امرؤ القيس الكندي، ومن الذين انتقلوا إلى جبهة الحسين عليه السلام رجل من خزيمة جاء رسولاً من الملعون عمر بن سعد إلى الحسين ليبلغه رسالته، فلم يرجع، وقال: (من الذي يختار النار على الجنة)! من الأسماء الحرّة الانقلابية الخالدة جوين بن مالك بن قيس الضبعي، ذُكر أنه كان في الجيش الأموي ثم انتقل إلى صفوف الإمام الحسين عليه السلام، وقتل في الحملة الأولى،والحلاس بن عمر الراسبي، الذي سار هو وأخوه النعمان مع معسكر الأمويين ثم تحولا إلى معسكر الحسين، وزهير بن سليم الأزدي لما رأى إصرار جيش الامويين على مقاتلة الحسين عليه السلام اعتزل معسكرهم ومال إلى معسكر الحسين واستشهد بين يديه، وعبد الله بن بشيرومسعود بن الحجاج وابنه عبد الرحمن، وعمرو بن ضبيعة التميمي والقاسم بن حبيب الأزدي ويزيد أبو الشعثاء الكندي وغيرهم هناك ثلة متخاذلة من الرجال عاشوا صراعاً داخلياً عنيفاً بين نداء الضمير الذي يدعوهم إلى الانحياز نحو الحسين والقتال معه، وبين واقعهم النفسي المهزوم الذي يدفع بهم إلى التمسك بالحياة الآمنة في ظل السلطة الغاشمة، وقد(حيّدوا) أنفسهم، فاعتزلوا معسكر العدوان، ولم ينضمّوا إلى الثورة الحسينية، هؤلاء الرجال التافهون الذين قال الحصين بن عبد الرحمن عنهم أنهم كانوا وقوفاً على التل يبكون، ويقولون: (اللهم أنزل نصرك) !الانحياز إلى جانب الحق، حتى لو كان متأخراً،يضع المرء في قائمة الشجعان والشهداء الخالدين، وتلك عبرة من دروس قصة استشهاد قدوتنا الامام الحسين عليه السلام.