الانتخابات المبكرة.. بداية الإصلاح

آراء 2020/08/24
...

محمد كريم الخاقاني
في دعوة صريحة للإصلاح السياسي والمتمثلة بإجراء الانتخابات المبكرة كإحدى المطالب الشعبية ووفقا للتعهد الذي قدمه رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي بعد تكليفه في آيار الماضي، وعبر كلمة وجهها إلى الشعب العراقي "نعد بانتخابات نزيهة وعادلة تنتج مجلس نواب يمثل إرادة الشعب وتطلعاته، ولذا حددنا السادس من حزيران من العام المقبل موعداً لإجراء الانتخابات المبكرة"، وبذلك يحقق الكاظمي ما وعد به من مطالب شعبية والتي كانت من ابرزها الانتخابات المبكرة وتعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتعديل قانون الأحزاب العراقية لتكون تلك المطالب بداية التغيير المنشود شعبيا وإصلاحا للعملية السياسية التي انطلقت بعد عام 2003.
وتعد الانتخابات المبكرة هدفا جماهيريا تسعى من خلاله الى الرغبة في إحداث التغيير المرتقب في شكل الحكومة العراقية، ومن اجل هذا الهدف انتفضت الجماهير في تشرين الأول 2019، وعليه لا بد من إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن بعد استكمال حكومة مصطفى الكاظمي، وبالفعل حددت تلك الحكومة موعدا للقيام بالعملية الانتخابية في السادس من حزيران 2021.
وقال الكاظمي: "منذ اليوم الأول لتكليفي بتشكيل هذه الحكومة كان هدفنا هو إنقاذ العراق من شبح الفوضى والتصادم الداخلي، وهو الخطر الذي كان ماثلاً أمام كل الشرفاء والخيرين والأحرار"
ولأن القيام بالانتخابات يستلزم متطلبات تمهيدية وتحضيرات لوجستية تسبق العمل بها، لا بد هنا أن نسجل بعض الامور التي يجب ان تكون مهيئة للعملية الانتخابية ومنها: الدعم المالي والفني والأمني، فالانتخابات يجب ان تقام في ظل مناخ آمن وملائم من اجل سير العملية وتحقيق نزاهتها وانسيابيتها.
ومن أبرز الاجراءات الواجب توافرها قبل إجراء الانتخابات يتمثل بقيام مجلس النواب بإكمال النسخة النهائية من قانون الانتخابات بأسرع وقت ممكن مع إقرار صيغة مقبولة لتوزيع الدوائر الانتخابية حسب ما ورد بنصوصه، وهذا ما أدى الى عدم حسم إقرار القانون لغاية الآن وعدم إرساله لرئاسة الجمهورية للمصادقة عليه وعده نافذاً من تأريخ نشره في الجريدة الرسمية وهي الوقائع العراقية، ولا تزال مسألة تحديد الدوائر الانتخابية تثير الإشكاليات والخلافات بين مختلف القوى السياسية، فالقانون ينص على الانتخاب الفردي وهذا يعني إيجاد آلية جديدة لتوزيع الدوائر الانتخابية، فهل سيكون توزيع الدوائر الانتخابية حسب الأقضية أم على اساس النسب السكانية؟، وما هو شكل تلك الدوائر، هل هي بصورة منفردة ام مجتمعة بقائمة؟، ومن المعلوم أن مجلس النواب قد صوّت على قانون الانتخابات الجديد في 24 كانون الأول 2019. 
ومن الإجراءات التي لا تكتمل عملية الانتخابات من دونها، مسألة اكتمال نصاب المحكمة الاتحادية، إذ لا بد من إقرار قانون المحكمة الاتحادية من قبل مجلس النواب؛ وذلك للمصادقة على ما ستؤول اليه نتائج الانتخابات والنظر في عضوية الاعضاء الجدد وصحتها، فضلاً عن النظر في الطعون التي تقدم لها بعد إعلان نتائجها، فالمحكمة الاتحادية تتكون من (9) أعضاء، ومؤخراً تمت إحالة عضو منها وهو القاضي فاروق السامي للتقاعد لأسباب صحية وبناءً على طلبه، ومن ثم فلا بدّ من إكمال العضوية لها لكي تمارس اختصاصاتها، فلا يوجد أي سند قانوني لتعيين قاض جديد بدلاً عنه، إذ تتشكل المحكمة الاتحادية من رئيس لها مع ثمانية أعضاء، وهي بذلك تباشر القيام بواجباتها واختصاصاتها ومن دون ذلك لايصح انعقادها وتصبح قراراتها باطلة وغير ملزمة؛ وعليه لا بدّ من قيام مجلس النواب بتشريع نص بديل للمادة 3 من الأمر 30 الصادر حسب قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2005 والخاص بإكمال النصاب القانوني للمحكمة الاتحادية كونها الجهة الوحيدة المخولة بالمصادقة على نتائج الانتخابات. 
ومن أجل إجراء الانتخابات في موعدها الذي حدده رئيس الوزراء في السادس من حزيران 2021، لا بدّ للحكومة ان تعمل على تهيئة الامور المالية وذلك بإقرار الموازنة الانتخابية وتوفير سبل نجاح مستلزمات عملية الانتخابات، ودعوة المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة بتقديم الدعم الانتخابي والمساعدة من أجل توفير رقابة لها والعمل على تمثيل إرادة الشعب العراقي بكل نزاهة وشفافية.  إن إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في موعدها المحدد ما هو إلا تنفيذ لمطالب الشعب المحتج منذ تشرين الأول 2019 ورغبة المرجعية الدينية العليا، فضلاً عن كونه أحد الوعود التي قطعها السيد رئيس الوزراء على نفسه بعد تكليفه وحاز على ثقة ممثلي الشعب، وتحتاج عملية إنجاح الانتخابات المبكرة أن تتضافر جهود مجلس النواب والحكومة من اجل استكمال الثغرات القانونية سواء في قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أو في السعي لتفادي ازمة نصاب المحكمة الاتحادية، ومن ثم تحقيق آمال الشعب العراقي بالإصلاحات التي من اجلها خرج في حركة احتجاجية رافضة لكل ما هو قائم، وتحقيق هدف تلك الحركة والإصلاحات المفترضة، وعليه لا تزال الفرصة سانحة لتحقيق تلك المطالب الشعبية وتحقيق متطلبات الإصلاح المنشودة وبما ينسجم مع رغبة الجماهير. 
 
* أكاديمي وباحث في الشأن السياسي