أ.د.باسم الاعسم
نوقشت على مدى عقود خلت، آلاف الرسائل والأطاريح الجامعية، ونخص بهذا الصدد الاطاريح التي انتجتها اقسام اللغة العربية في كليات التربية والآداب، ذات الطبيعة الادبية واللغوية والنقدية، في مجالات اللغة والشعر، والقصة والرواية والنقد، والنقد الثقافي.
وفي كل حقل ثمة رسائل وأطاريح، غاية في الرصانة والعلمية الممنهجة، المعززة بالرؤى الحداثية والخطابات النقدية التحليلية المتبصرة، على وفق مقاربات تجديدية، سواء تلك الأطاريح التي تصدت الى الدراسات القديمة، أو الحديثة معا.
ولقد اقترنت تلك الاطاريح بأبرز أعلام النقد الادبي أو الثقافي، فعجلت في تعزيز الحركة النقدية، لأنها ذات موضوعات مهمة، تقر و تناقش عبر لجان علمية، تضم خيرة العقول العلمية في الجامعات .
و لنا في ما انتجه النقاد ( داود سلوم، علي جواد الطاهر، عناد غزوان، نعمة رحيم العزاوي، مالك المطلبي، سعيد عدنان، عدنان العوادي، نوري حمودي القيسي، عبد الاله أحمد، نجم عبد الله كاظم، فاضل التميمي، سمير الخليل، نادية هناوي، علي حداد، جميل نصيف، بشرى موسى صالح، محمد حسين الاعرجي، ثائر العذاري) وكثر سواهم، يؤكد صحة ما نقول . ولم تقتصر الاطاريح الجامعية الرصينة على أولئك النقاد الافذاذ، بل ان ثمة اساتذة اجلاء أنتجوا أطاريح في موضوعات شتى جديرة بالاحتفاء و النشر، و ذلك لعلميتها وفرادتها، وخصوصيتها وندرة موضوعاتها، فضلا عن جدتها ومنهجيتها مما يؤكد تواصل العطاء النقدي لمختلف الاجيال النقدية. وأرى لو يصار الى تشكيل لجان علمية تضم نخبة من أساتذة النقد و الثقافة، في تلك الاقسام المتوزعين في الجامعات العراقية، تتولى دراسة تلك الأطاريح و انتقاء المفيد و المختلف، و الرصين منها، بقصد طبعها والاستفادة منها، في تحديث مفردات المناهج الدراسية لطلبة المراحل الاولية و الدراسات العليا، و من ثم توزيعها بين مكتبات أقسام الكليات والجامعات، لكي يطلع عليها الطلبة والقراء، واقامة معارض للكتاب تخص تلك الأطاريح، تقام في الجامعات وسواها. إن تلك الأطاريح العلمية الممنهجة، تعد فكرا او نقدا مشتتا، لا يستقيم الا بجمع تلك الأطاريح و تبويبها، وفرز الاصلح منها، فهي تمثل ذخيرة نقدية مضمرة في العلوم الانسانية كافة.
وأقترح أن تتولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، هذا المشروع، فالجامعات في العالم أجمع، هي بؤرة الاشعاع الفكري، و نقطة انطلاق الحلقات الدراسية والمذاهب الفكرية والنقدية أو التيارات الادبية المختلفة.
كما ان نشر تلك الاطاريح المميزة حصرا، يمثل دافعا نفسيا كبيرا ومؤثرا لدى بعض الباحثين، ذوي المواهب والقدرات الثقافية، والمؤهلات الادبية، بما يتوافق مع المقولة التي تنص على ان (زكاة العلم نشره)، بقصد تعميم الفائدة و اشاعة العلم و المعرفة، و تلك واحدة من أسمى أهداف الجامعات، بوصفها مؤسسات علمية و فكرية، تعنى بانتاج العقول المبدعة، و الابحاث العلمية الرصينة، و ترجمة خطط الدول السائرة في طريق التقدم والازدهار.
وتمثل تلك الاطاريح الجامعية المائزة، خير مرجع معرفي، و ثقافي، لمن يود الاطلاع على مسارات الحركة النقدية، بمعطياتها البينة ومضمراتها، و أن نفض غبار الاتربة عنها، خير وسيلة لاشاعتها وجعلها في متناول القراء والدارسين. فضلا عن ذلك ان تلك الرسائل والاطاريح الجامعية الرصينة والمائزة، تشكل رصيدا ثقافيا ومعرفيا للنقد الاكاديمي، الذي يشكل معلما واضحا من معالم الحركة النقدية العراقية، مادامت تلكم الاطاريح او البحوث العلمية تستند الى معايير علمية رصينة جدا.