لكي لا نقتل الحسين!

الصفحة الاخيرة 2020/08/24
...

 جواد علي كسّار
تكشفنا أمام أنفسنا، وتدخلنا في مراجعة، بل محاكمة عميقة مع ذواتنا؛ هكذا هي نصوص الصدر عن الإمام سيّد الشهداء، نصوص لا تجامل ولا تحابي، ناتئة كمسامير حامية وهي تغوص في مطاوي تركيبتنا الإدراكية والشعورية، تجردنا من الحيل النفسية، وتنزع عنّا أدوات الرضا عن الذات، لتمارس فعل الصدمة، قبل أن تضعنا على خط المراجعة والمكاشفة والنقد.
يحذّرنا الصدر من أن: «نقتل الحسين ونحن نبكي»، يحصل ذلك حين نقع في التناقض بين العمل والعاطفة، فتكون عاطفتنا مع الحسين وفعلنا مشرعاً ضدّه، تماماً كما حصل لأسلافنا في الكوفة: «كما أن أهل الكوفة كانوا يقتلون الحسين وهم يبكون، فهناك خطر كبير أن نُمنى نحن بنفس المحنة؛ أن نقتل الحسين ونحن نبكي».
مع أن البكاء ممدوح وهو من فيوضات الرحمة في النفس الإنسانية، إلا أنه لا يُحصّن الإنسان من فعل القتل، فجلّ من قتل الحسين وشارك بقتله بكى عليه، من دون أن ينفعه هذا البكاء، ويحصّنه من عار الجريمة، وبتعبير الصدر نفسه: «البكاء لا يعني أننا غير قاتلين للحسين، لأن البكاء لو كان وحده يعني أن الإنسان غير قاتل للحسين، إذن لما كان عمر بن سعد قاتلاً للحسين، لأن عمر بن سعد بكى بنفسه حينما مرّت زينب في موكب السبايا... ضجّ القتلة كلهم بالبكاء، بكى السفاكون.. إذن فالبكاء وحده ليس ضماناً لإثبات أن صاحب العاطفة هذا، لا يقف موقفاً يقتل فيه الحسين، أو يقتل فيه أهداف الإمام الحسين».
ليس البكاء وحده لا يكفي حصانة، بل تصطفّ معه الزيارة والمحبة كموقف لفظي أو شعوري مجرّد عن الموقف العملي، وهو ما لا يجامل فيه السيد الصدر منبهاً ومحذّراً، بقوله: «مجرّد أننا نحبّ الإمام الحسين، مجرّد أننا نزور الإمام الحسين، مجرّد أننا نبكي على الإمام الحسين، مجرد أننا نمشي إلى زيارة الإمام الحسين؛ كلّ هذا شيء عظيم وراجح، لكن هذا الشيء الراجح لا يكفي ضماناً ودليلاً، لكي نثبت أننا لا نسهم في قتل الإمام الحسين، لأن بإمكان إنسانٍ أن يقوم بكلّ هذا عاطفياً، وفي الوقت نفسه يُسهم في قتل الإمام الحسين».
الحلّ  سيّدنا أبا جعفر؟ يجيب بعبائر ناصعة خالية من التعقيد واللبس: «لابدّ من امتحان، لابدّ من تدبّر، لابدّ من تعقّل لكي نتأكد من أننا لسنا قتلةً للإمام الحسين». ويضيف: «يجب أن نُحاسب أنفسنا، يجب أن نتأمل في سلوكنا، يجب أن نعيش موقفنا بدرجة أكبر من التدبّر والعمق والإحاطة، والانفتاح على كلّ المضاعفات والملابسات، لكي نتأكد من أننا لا نمارس قتل الحسين عليه الصلاة والسلام، من قريب أو بعيد، بشكل مباشر أو غير مباشر».
ضمن الإطار التفسيري الذي قدّمه الصدر لواقعة كربلاء، ذهب إلى أن الأمة الإسلامية كانت وقتئذ تعيش حال شلل الإرادة، وأخلاقية الهزيمة حتى الموت كنتيجة لذلك الشلل، رغم إيمانها النظري بالحسين وأحقيته: «الأمة في حال تعرّضها للهزيمة النفسية، وفي حال فقدانها لإرادتها وعدم شعورها بوجودها كأمة، تنشأ لديها بالتدريج أخلاقية معينة، هي أخلاقية الهزيمة».
الأمة كهذه لا بدّ لها من فعل نافض قوي يهزّها من الأعماق، وقد فعل الحسين ذلك وحرّك الأمة بـ«دمه لا بلسانه؛ حرّكها بتضحيته لا بخطابته».
برأي الصدر أن الأمة اليوم، هي بحاجة أيضاً إلى تضحيات وهزّة نافضة، وقد كان - رحمه الله- الأنموذج العملي لهذه الهزّة، حين سعى إلى الموت وطلبه!