العرب وازمة الصراع

آراء 2020/08/25
...

علي حسن الفواز
وقفت الحروب الكبرى في قارات اوربا وامريكا منذ زمن بعيد، وتفرغ سياسيوها وجنرالاتها وفلاسفتها وفقهاؤها الى ممارسة وظائف اخرى، أكثر واقعية، وأكثر شغفا بالحياة والمصالح، أوربما نقلوا اجندة تلك الحروب الى قارات أخرى، أكثر استعدادا لها، وتلذذا بها، واستعمالا لاغراضها واهدافها، في الوقت الذي ظلت فيه كثير من دول قارات اسيا وافريقيا، والى حدٍ ما اميركا اللاتينية تنحاز الى خيارات صناعة الحروب المفتوحة، والانقلابات الدامية والصراعات الاهلية، التي تقابلها طبعا صناعات اكثر رعبا للفقر والتخلف والجهل والامية والجوع ورثاثة البنية الحقوقية.
العلاقة مابين الجغرافيا والحرب، قد تكون هي العلاقة ذاتها بين القوة والضعف، أو بين التقدم والتراجع، أو التنمية والتعطّل، وطبعا هذه الثنائيات وغيرها تحتاج دائما الى مقاربات ومراجعات تخصّ علاقتها بالسياسة والاجتماع والثقافة والحضارة والتعليم والعمران والخدمات، وهي علاقة واضحة بقدر ما هي ملتبسة، لاسيما في ما يربط هذه الملفات باشكالات انتاج بنية الدولة وبنية المجتمع، فكلا البنيتين تتطلبان وجود عوامل ومصادر ومرجعيات وبيئات وقوى تُسهم في التأسيس والتفعيل والتمكين، وفي القدرة على تقويض خيار الحرب لصالح خيار السلام، وخيار التردّي بخيار
التنمية.
استمرار الحروب في شرقنا العربي، وفي مدننا العربية بشكلٍ خاص، له علاقة مباشرة بما ورد اعلاه، فالحرب هي سياسة من نوع آخر، وحين تضعف سياسة الادارة، والقدرة على التحاور والتفاهم والتشارك تقوى سياسة العنف والكراهية والتقاطع، وهي مانجدها على ارض الواقع، فضلا عن أنّ هذه التنافرات لها دور كبير في العنف الاجتماعي والسياسي والأمني، فضلا عن كونها مسؤولة عن صناعة الحكومات المأزومة والجماعات المأزومة، وحتى المجتمعات المأزومة، والتي تعيش بنوع من الفوضى، وبعصابية تعبّر عن هيمنات مركزية للعرق والطائفة والقومية، وبما يجعل فكرة المغالبة خيارا ينعكس في الخطاب السياسي وفي الخطاب الثقافي، وفي مدونات وسائل التواصل الاجتماعي. 
 
العرب وأزمة الصراع
أكثر من بلد عربي يعيش هذا المأزق، بدءا من سوريا والصومال واليمن وانتهاء بما يحدث من تقاطعات في لبنان، وحتى النزوع الى التطبيع السياسي مع اسرائيل لا يمثل سوى محاولة للهروب الى امام، حيث وهم الخلاص من رعب الآخر، وخيارات الحرب معه، والرغبة بالتماهي مع اباطرة القارات الاخرى التي ارتبط وجودها بالحرية والديمقراطية والصناعات والتنميات الكبرى، إن صناعة السلام وصناعة التنمية والحداثة لا تأتيان من الفراغ، ولا من الاوهام والنوايا. وأنّ تحويل صناعة الحروب والفشل في ادارة النُظم، الى صناعات جماعوية، تتوهم خيار المنافسة والتقدم والى تكريس قيم الديمقراطية، تتطلب- اولا- ممارسات تأهيلية، والى ثقافات نقدية للواقع ثانيا، والى وعي متعالٍ بضرورة تلك الحاجات ثالثا، والى التزام وتخطيط وتنظيم وقوة تعزز فاعلية الصيانة، وتُنمّي الثروة للادامة والتواصل رابعا، إذ من الصعب جدا ايجاد علائق حقيقية بين الواقع وبين الحاجة للتنمية، فهذا الواقع تتناهبه مشكلات كثيرة، وصراعات أكثر، وهذه الصراعات مفتوحة وقابلة للتضخم، وخاضعة الى اجندات اجنبية، كثيرا ما تضخها بـ" قراصنة الحرب" من الجماعات التكفيرية، أو من المرتزقة، وأحسب أن مايجري في المشهد الليبي يعكس هذه الأزمة، فالبلد النفطي تحوّل الى بلدٍ للحرب المفتوحة، بين جماعات تؤجر المرتزقة من هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي فإنه فقد فرصة حقيقية لتوظيف الثروة النفطية في التنمية، مثلما فقد الاستقرار السياسي وتوحيد الجغرافيا لصالح الشراكة والتنمية، مصالح بعض الدول العربية بعد التطبيع مع اسرائيل، أكثر ضبابية قبله. إذ باتت تلك المصالح تدفع البحث عن خيار السلام الواهم، الى ممارسات من الصعب الركون الى مصداقيتها والى شرعيتها، حيث يتحول هذا البحث الى لعبة في التعاطي مع الجغرافيا، ومع التاريخ وفكرة العدو، ومع الدور الحقيقي في ازمة الصراع مع الآخر، بما فيها أزمة الحرب، لأنّ الحرب كما قلنا هي سياسة أخرى، ومصالح أخرى.