- 1 -
قديما قال الشاعر :
ولم أَرَ أَوفى ذِمةً مِنْ دراهمي
وأصدقَ عهداً في الأمورِ العظائمِ
فكم خانني خِلٌّ وثقتُ بِعَهْدِهِ
وكانَ صديقاً لي زمانَ الدراهمِ
من أكبر العيوب التي تنطوي عليها النفوس المريضة هو اتجاهها نحو بوصلة المال ... وهي تميل حيث ما مال، بعيداً عن مقتضيات الدين والاخلاق والانسانية، وهذا مصداقٌ من مصاديق القول المأثور لسيد الاحرار ابي عبد الله الامام الحسين
(عليه السلام):
(الناسُ عبيد الدنيا،/ والدينُ لَعْقٌ على ألسنتهم،/ يحوطونه ما درّت معائِشُهُم فاذا مُحِّصُوا بالبلاء قَلَّ الديّانون).
ومن أجل المال والاستحواذ عليه واكتنازه يتسابق باعة الضمائر والوجدان من القراصنة واللصوص وفرسان الاختلاس، الذين انتهبوا المال العام وانتهكوا القيم المقدسة والحرمات كلها، حين خانوا الله وخانوا رسوله وخانوا أهلهم، ولم يعبئوا، إلّا بذواتهم الشريرة ومصالحهم وشهواتهم المحمومة ...
- 2 -
وقال الآخر :
ذريني للغِنَى أسعى فإنّي
رايتُ الناسَ شرَّهم الفقيرُ
ويُقصِيهِ النَدّيُّ وتزدريهِ
حليلتُه وينهرُه الصغيرُ
وتلقى ذا الغنى وله جلالٌ
يكادُ فؤادُ صاحِبِه يطيرُ
قليلٌ ذَنْبهُ والذَنبُ جَمٌّ
ولكنْ للغِنَى ربٌّ غفورٌ
إنّ المال ليس غاية في نفسه وانما هو وسيلة يستعان بها لاشباع الحاجات .
ولكنه – وللاسف الشديد – انقلب الى هدف وغاية يسعى لها الساعون بكل ما لديهم من قوة، فرارا من الفقر، وما يكابده الفقراء من ظلم اجتماعي، ورغبةً في الحصول على الامتيازات الباهرة التي يحصل عليها الاغنياء، والمهم هنا التذكير بأنَّ مكانة الانسان الحقيقية لا يحددها مقدار ما يملكه من الاموال، وانما تحدده الاعمال الصالحة، وما يتسم به من سمات وصفات، فأكرم الناس على الله هم المتقون .
{ انّ اكرمكم عند الله أتقاكم }
الحجرات / 13
وخير الناس من نفع الناس، وليس نفع الناس محدوداً بالمال فقط
إنّ الموعظة الصادقة يُطلقها فمُ العالم ينقذ بها الضال ويرشد الجاهل لاتضاهيها الكنوز الثمينة، وكما جاء في الحديث الشريف
" لئن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس ..."
- 3 -
وقال الآخر :
كلُّ النداء اذا ناديتُ يخذلني
إلّا ندائي إذا ناديتُ: يا مالي
وليس هذا بصحيح ولو كان صحيحا لأنقذ المال أصحابه من جائحة الكورونا التي فتكت بالكثير من الأغنياء ..
لا ننكر أنَّ ذا المال والثروة أقدر من غيره على الوصول الى ما يريد، ولكننا ننكر أن المال يستطيع أنْ يُنقذ، صاحبه من كل الأهوال
والسؤال الان :
هل يستطيع المال إرجاء الأجل ؟
هل يستطيع المال وقاية الانسان وبنيه من الحوادث والطوارق ؟
ان الاستعاضة عن نداء يقول: يارب
بنداء يقول: يا مالي
تنطوي على غباء وجهل وغفلة ونأي عن مرافئ الهدى والاستقامة
ولا تتسع هذه المقالة الوجيزة لاستعراض المزيد من الشواهد وفي ما ذكرناه ما يُغني عن الاسترسال .