صلاح جاسم ملاكم عراقي لمع في الثمانينيات تربع على عرش العراق وآسيا والعرب .. مع ضخامة جثته وبروز عضلاته ونظراته المتحدية ، الا ان وداعته وانسانيته طغت على جميع سلوكياته التي لا تتناسب مع مفهوم الضربة القاضية التي فاز فيها مرات عدة .. هجر العراق مطلع التسعينيات جراء الحصار والخناق الأمني والسياسي هاربا بعيدا حيث هولندا وأميركا وإيطاليا ...بعد زلزال نيسان 2003 عاد كبقية طيورنا المهاجرة لاسباب شتى على امل ان يعيش بين اهله ولعبته المحببة بعد سنوات الغربة والضياع كما سماها .. لم يهنأ بشيء اذ قال : ( نفس الطاس والحمام ) لم يتغير سوى الشعار والازياء والعناوين .. طرق اكثر من باب، فلم يحصل سوى ( فتافيت) لا تسمن ولا تغني عن جوع ... فضلا عن كونها لا تأمن من خوف .. وجدته سارحا في خيالات الطموح وعذابات الواقع .. فقلت له : ( يا اخي عد الى اوروبا .. ألم تقل ان كل شيء متوفر لك هناك ) .. فادمعت عيناه ثم سحب يدي بقبضته الحديدية واخذني الى كومة نفايات تملأ الشارع وتقطع الطريق ، فقال : ( اقسم بكل المقدسات التي آمنت بها .. ان رائحة هذه الاوساخ في بلدي الطف من جنائن الغرب ) ،كعادة صباحية تأخذني قدماي الى حيث حكايات مدينتي الشعبية الجميلة على الرغم من كل ما يحيط بها من نقص بالخدمات والبؤس وتغليب البعض لمصالحه الخاصة على الصالح العام ، الا ان ناسها الطيبين اكثر رغم عدم امتلاكهم الصلاحية والسلطة التي ما زالت حكرا على الحرباويين يتلاقفونها كل حين .. كان احدهم يسرد عن زخم المرور وتهديم البنية التحتية للشوارع العامة الرابطة بين المحافظات وما تسببه من حوادث مؤسفة يروح ضحيتها مئات العراقيين سنويا .. عزز اخر تلك القصة بغياب قانون المرور وزيادة السرعة حد الطيش والاستهتار في مناطق نازفة جرحا خدماتيا دائما .. فقال : ( انه حضر حادثامروريا مروعا أدى بحياة البعض اثر اصطدام سيارتين وجها لوجه .. وقد زاد المه بعض أصحاب النفوس الضعيفة الذين تسابقوا على سرقة واستغلال ضحايا الحادث ..) . بعد اشمئزازي من تلك المشاهد المؤلمة غير المتوافقة مع ديننا وجذرنا العربي الإسلامي وتاريخنا.. ذهبت احتسي الشاي واخفف عن نفسي عند صديقي زهير أبي امير بمكتب صيرفته الصغير .. فدخلت امرأة مستفسرة وجهت خطابها لصديقي قائلة : ( نحن نعرفك ونعلم نزاهتك ولا اشكك بك ابدا .. لكن قبل شهر تقريبا جئت اصرف لديك بعض المال ، وقد اخذته دون ان احسبه ووضعته في الدولاب .. لعدم حاجتنا له ، وقد عددناه اليوم فتبين نقصه خمسمئة الف دينار .. وجئت اعلمك بالامر) .. فقال صاحبي : ( نعم اتذكرك .. ثم مد يده الى الخزانة واخرج منها ظرفا كتب عليه : خمسمئة الف دينار وجدت هنا .. وضعتها امانة وأشهدت اهلي وصحبي عليها وتسلم لصاحبها بعد التأكد منه ..) . ثم سلمها الظرف ... عند ذاك ادمعت عيناها وهي تقول بحياء : ( انا مدرسة وزوجي طبيب ووضعنا المادي جيد ... لم ابك فرحا بالمال فقد اعددته بالخسائر ، الا اني بكيت على العراقيين اذ كنت عديمة الثقة بأحد منهم .. واليوم شعرت بالظلم والخجل من بلدي ونفسي واهلي وناسي الطيبين ) .
تنصيص / .. هجر العراق مطلع التسعينيات جراء الحصار والخناق الأمني والسياسي هارباً بعيداً حيث هولندا وأميركا وإيطاليا ...بعد زلزال نيسان 2003 عاد كبقية طيورنا المهاجرة لاسباب شتى على امل أن يعيش بين اهله ولعبته المحببة بعد سنوات الغربة والضياع.