الثورة الحسينية.. حركة إصلاح اجتماعية

استراحة 2020/08/27
...

الشيخ رضا معاش
في كتابه القيّم (من حياة الإمام الحسين ع)، يقول السيد محمد الحسيني الشيرازي (ره): إن الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى نهضة ثقافية تسلتهم الدروس من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، ولو أننا بحثنا عن أسباب نهضة الإمام الحسين (ع) بوجه يزيد ومحاربته، لوجدنا أنها جاءت بهدف الحفاظ على الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (ص)، وعند رصد قضايا المجتمع الإسلامي اليوم، وملاحظة طبيعة العلاقات الاجتماعية والحياتية عموما، والمقارنة بينها وبين ما كانت عليه إبان حكم يزيد والعصر الأموي، يظهر أن المسلمين اليوم لا يختلفون كثيرا عن مسلمي ذلك العهد، بل هناك بينهم اليوم من يرفض الإصلاح، ولا يلتزم بقاعدة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ويبرز التمسك الشكلي بالدين وليس بجوهره، وهذه مشكلة كبيرة يجب أن يتخلص منها كل مسلم يؤمن بالنهضة الحسينية وينتمي إليها.
فأن نقوم كمسلمين بتأدية الصلاة والصيام والحج والفرائض الأخرى، هذا وحده لا يكمّل ديننا، ولا إخلاصنا لله وللدين وللرسول الأكرم وللإمام الحسين عليه السلام، الدين الكامل هو ما توجبه الصلاة من (نهاية للفحشاء والمنكر)، والالتزام الحقيقي هو الذي يعطي الفارق بين المسلمين اليوم وبين ما كانوا عليه في عهد يزيد.
يقول السيد الشيرازي في كتابه: (إن الإسلام لا يكون حصراً في الصلاة والصيام والحج وما أشبه، وإلاّ فإن هذه الأمور كانت موجودة بنحو أو بآخر في عهد يزيد.. والمسلمون اليوم وإن وجدنا فيهم صلاة الجمعة والجماعة والحج والمساجد العامرة والصيام في شهر رمضان وغيرها؟ لكنهم بعيدون عن الإسلام، وإلاّ فإن هذه الأمور كانت في عهد يزيد، ومع ذلك حاربه الإمام الحسين (عليه السلام).
الحكام الطغاة لا تروق لهم النهضة الحسينية، إلا بقبولها لفظيا أو الانتماء اللفظي لها من بعضهم، وإذا تحدثنا عن تطبيق مبادئ النهضة الحسينية، فإننا لا نجد لها تطبيقا حقيقيا بين الناس، فلا تزال الثقافة هزيلة، والوعي ضامر، والجهل متسيّد، وهذا ما يحدث في واقعنا اليوم، وبسبب ذلك الواقع المشابه قام الإمام الحسين بفضح يزيد، بل وفضح جميع الطغاة على مر التاريخ، (لقد تمكن الإمام (ع) من فضح يزيد وبني أمية وأثبت أنهم لا يمثلون الإسلام، كما فضح الطغاة على مرّ التاريخ.
أمام المسلمين اليوم فرصة كبيرة، لكي يتعلموا من نهضة الإمام (ع)، ويكرّسوا الثقافة العاشورائية المنصفة وينشروها بين الناس، فالمسلمون اليوم يعانون من الجهل، ويمزقهم الظلم والتفرقة، وغياب الإصلاح الحسيني لتكون فرصة عظيمة لتكريس مبادئ النهضة الحسينية بين الجميع، وتكون البداية بالابتعاد عن الإيمان اللفظي الشكلي، بالفكر الحسيني، وتطبيقه حرفيا على واقع المسلمين، ففي عهد يزيد كانت الممارسات الإسلامية الشكلية موجودة، لكنها لم تستطع كبح الظلم الأموي، واليوم نحن بحاجة لغرس الصلاة والصيام والمبادئ الإسلامية في القلوب والنفوس، لكي تتحول من النمط السطحي الشكلي، إلى الجوهري الذي يرتفع بمستوى حياة الناس وعقولهم وتفكيرهم وسلوكياتهم التي سوف تقوم على الإيمان والعدل والإنصاف والإصلاح الفاعل.
يقول السيد الشيرازي في كتابه: "إن يزيد أراد للأمة الإسلامية أن تبتعد عن القرآن الكريم وعن نهج الرسول (ص) وعترته، والمسلمون في يومنا هذا تركوا الإسلام والقرآن والعترة، وهم بحاجة لنهضة ثقافية شاملة يستلهمونها من سيرة الإمام الحسين (ع)، فالعلماء والمثقفون عليهم أن يسعوا إلى تثقيف الأمة الإسلامية لكي ترجع إلى الإسلام من جديد".
لو أننا استطلعنا واقع المسلمين اليوم فسوف نجد أنه ليس بأفضل حال عما كان عليه في عهد يزيد، فالجهل لا يزال يعيث في العقول انحطاطا، والثقافة لم تأخذ دورها كما يجب، لهذا يستوجب الأمر نهضة ثقافية كبيرة تأخذ مضامينها وأفكارها ومبادئها من النهضة الحسينية التي لم تهادن الجهل ولا الجاهلين، فلا تستحق أمة المسلمين ما هي عليه اليوم من مكانة متدنية، حيث تتصدر عالمنا اليوم أمم كانت تقبع في الظلمات، وجاء الإسلام وقادته الأوائل العظام لينقذوا البشرية آنذاك ويظهروها إلى النور بعلمهم وعدلهم وإنسانيتهم، وكانت أسباب تقدم المسلمين منظومة من القيم المتماسكة التي تتصدى للظلم والتمايز والاستئثار، لقد انحرف الإسلام في عهد يزيد وساد الجهل، واضمحلت الثقافة، وتردَّت قيم التقدم، وانتعش قانون الغاب، وكان المطبلون الانتهازيون كثرا، فشدّوا على يد الطاغية وجمّلوا قراراته وخطواته، وسكتوا عن الظلم والانحراف وضياع العدالة، وأصبحت الاستقامة في خبر كان، بينما تهشمت المثل والمبادئ والقيم الإسلامية، وتدهورت الثقافة حتى بلغت الحضيض.
رافق ذلك غياب قطعي للإصلاح، وانكفأ صوت الحق، وتنمّر يزيد وزبانيته المنافقون وزاد الفسق والمجون، وتراجعت القيم الاجتماعية المنصفة لتبلغ أدنى مستوياتها، إن طلب الإصلاح في أمة المسلمين الذي أعلنه الإمام الحسين (ع) في ثورته، لا يزال هو الهدف الأكثر حاجة وإلحاحا لأمة الإسلام، فلو أننا ناقشنا الأنظمة السياسية وحكامها فسوف نجد أنها متعثرة ويشوبها الظلم والتعسف، أما حين نبحث في منظومة القيم لدى الغالبية، فسوف نجد ما هو وافد دخيل مسيء إليها، وهذا يؤكد حاجة الأمة للإصلاح والنهضة الثقافية الشاملة.
هنا كان لا بد من صوت تاريخي ثائر، وثورة مضيئة تأخذ مكانتها وتأثيرها من قوة نهوضها ومضامينها المشرقة، ومن توقيتها الذي واجه قمة التنمّر الأموي عبر يزيد الطاغية المستهتر، فانطلقت جولة الإصلاح الحسيني على يد الإمام (ع)، لتعلن مبادئها على الملأ، حيث تبلورت في محور الإصلاح بقوله (ع) "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي".